فتقول أوّلا: وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما
مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ فإنّ هذه النعم
المتزلزلة الزائلة ما هي إلّا زَهْرَةَ
الْحَياةِ الدُّنْيا، تلك الأزهار التي تقطع
بسرعة و تذبل و تتناثر على الأرض، و لا تبقى إلّا أيّاما معدودات.
في الوقت الذي أمددناهم بها
لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَ رِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ أَبْقى فإنّ اللّه سبحانه وهب لك مواهب و نعما متنوّعة، فأعطاك الإيمان و الإسلام، و
القرآن و الآيات الإلهيّة و الرزق الحلال الطاهر، و أخيرا نعم الآخرة الخالدة، هذه
الهبات و العطايا المستمرّة الدائمة.
و تقول الآية التالية تلطيفا لنفس النّبي صلى اللّه عليه و آله و سلم و تقوية
لروحه: وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ
اصْطَبِرْ عَلَيْها لأنّ هذه الصلاة بالنسبة لك
و لأهلك أساس العفّة و الطهارة و صفاء القلب و سمو الروح و دوام ذكر اللّه.
لا شكّ أنّ ظاهر (أهلك) هنا هو أسرة النّبي صلى اللّه عليه و آله و سلم بصورة
عامّة، إلّا أنّ هذه السورة لمّا كانت قد نزلت في مكّة، فإنّ مصداق الأهل في ذلك
الزمان كان (خديجة و عليا عليهما السّلام) و ربّما شملت بعضا من أقارب النّبي
الآخرين، إلّا أنّ مصطلح أهل بيت النّبي صلى اللّه عليه و آله و سلم أصبح واسع
الدلالة بمرور الزمن.
ثمّ تضيف بأنّه إذا كان قد صدر الأمر لك و لأهلك بالصلاة فإنّ نفعها و بركاتها
إنّما يعود كلّ ذلك عليكم، فإنّا لا
نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ فإنّ
هذه الصلاة لا تزيد شيئا من عظمة اللّه، بل هي رأس مال عظيم لتكامل البشر و
ارتقائهم و درس تعليمي و تربوي عال، إنّ اللّه سبحانه ليس كباقي الملوك و الأمراء
الذين يأخذون الضرائب من شعوبهم ليديروا بها حياتهم و حياة مقرّبيهم، فإنّ اللّه
غني عن الجميع و يحتاجه الجميع و يفتقرون إليه.
إنّ هذا التعبير في الحقيقة يشبه ما ورد في سورة الذاريات- الآية (56- 58): وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا
لِيَعْبُدُونِ. ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَ ما أُرِيدُ أَنْ