وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ
مِسْكِينٍ. [1] ثم يقول الآية فَمَنْ
تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ[2] أي من تطوع للإطعام أكثر من ذلك فهو خير له.
و أخيرا تبين الآية حقيقة هي: وَ أَنْ
تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.
استدل بعض بهذه الآية على أن الصوم كان في بداية التشريع واجبا تخييريا، و كان
المسلمون مخيرين بين الصوم و الفدية، ثم نسخ هذا الحكم بعد أن تعوّد المسلمون على
الصوم و أصبح واجبا عينيّا، و لكن ظاهر الآية يدلّ على تأكيد آخر على فلسفة الصوم،
و على أن هذه العبادة- كسائر العبادات- لا تزيد اللّه عظمة أو جلالا، بل تعود كل
فوائدها على النّاس.
الشاهد على ذلك ما جاء في القرآن من تعبير مشابه لذلك، كقوله سبحانه بعد ذكر
وجوب صلاة الجمعة: ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
تَعْلَمُونَ[3].
بهذا تبين أن عبارة وَ أَنْ تَصُومُوا
خَيْرٌ لَكُمْ موجهة إلى كل الصائمين لا إلى
[1]- «يطيقونه» من «الطوق» و هو
الحلقة التي تلقى على العنق، أو توجد عليه بشكل طبيعي (كطوق الحمام) ثم أطلقت
الكلمة على نهاية الجهد و الطاقة، و الضمير في «يطيقونه» يعود على الصوم، أي الذين
يبذلون غاية طاقتهم لدى الصوم، أو بعبارة اخرى: الذين يجهدهم الصوم و يثقل عليهم،
و هم الطاعنون في السّن و المرضى الذين لا يرجى علاجهم، فهؤلاء معفوون من الصوم و
عليهم أن يدفعوا الفدية بدل ذلك (و على المرضى الذين يشفون أن يقضوا صومهم).
و قيل «الّذين يطيقونه» يعني الذين كانوا يطيقونه، و لم يعودوا اليوم قادرين
على الصوم (و هذا المعنى جاء في بعض الروايات).
[2]- قيل في عبارة «تطوّع خيرا» إنها
إشارة إلى الصوم المستحب، و قيل أيضا: إنها تأكيد على أن الصوم ينبغي أن يكون عن
رغبة و طواعية، لا عن إجبار و إكراه.