و من المفسرين من احتمل أن «الحكمة» إشارة إلى الحالة و الملكة الحاصلة من
تعاليم الكتاب. و بامتلاكها يستطيع الفرد أن يضع الأمور في نصابها [1].
صاحب «المنار» يرفض أن يكون معنى الحكمة «السنة»، و يستدل على رفضه بالآية
الكريمة ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ
مِنَ الْحِكْمَةِ[2].
لكننا نعتقد أن الحكمة لها معنى واسع يشمل الكتاب و السنة معا، أمّا استعمالها
القرآني مقابل «الكتاب» (كما في هذه الآية) فيشير إلى أنها «السنة» لا غير.
4- وَ يُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا
تَعْلَمُونَ و هذا الموضوع طرحته الفقرات السابقة من
الآية، حيث دار الحديث عن تعليم الكتاب و الحكمة. لكن القرآن عاد فأكد ذلك في فقرة
مستقلة تنبيها على أن الأنبياء هم الذين بيّنوا لكم المعارف و العلوم، و لولا هم
لخفي كثير من ذلك عليكم. فهم لم يكونوا قادة أخلاقيين و اجتماعيين فحسب، بل كانوا
هداة طريق العلم و المعرفة، و بدون هدايتهم لم يكتب النضج للعلوم الإنسانية.
بعد استعراض جانب من النعم الإلهية في الآية، تذكر الآية التالية أن هذه النعم
تستدعي الشكر، و بالاستفادة الصحيحة من هذه النعم يؤدي الإنسان حقّ شكر الباري
تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَ اشْكُرُوا
لِي وَ لا تَكْفُرُونِ.
واضح أن عبارة فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ لا تشير إلى معنى عاطفي بين اللّه و عباده كما يقول النّاس
لبعضهم ذلك. بل تشير إلى أصل تربوي و تكويني، أي اذكروني ... اذكروا الذات المقدسة
التي هي معدن الخيرات و الحسنات و المبرات و لتطهر أرواحكم و أنفسكم، و تكون قابلة
لشمول الرحمة الإلهية. ذكركم لهذه الذات المقدسة يجعل تحرككم أكثر إخلاصا و مضاء و
قوّة و اتحادا.
كذلك المقصود من «الشكر و عدم الكفران» ليس تحريك اللسان بعبارات