مثل هذه الحالة تتطلب دائما موقفا قاطعا حاسما ينهي كل شك و ريبة، من هنا
توالت التأكيدات القرآنية القارعة لتبعث العزم و اليقين في نفوس الأتباع، و تعمق
اليأس و الخيبة بين الأعداء. و هذا أسلوب اتبعه القرآن في مواقف عديدة.
إضافة إلى ما سبق، فالتكرار في هذه الآيات يتضمن أيضا أحكاما جديدة.
على سبيل المثال، الآيات السابقة و ضحت حكم القبلة في المدينة التي يسكنها
المسلمون. و هذه الآية و الآية التالية أوضحت الحكم لدى السفر و الخروج من المدن و
الديار.
الآية التالية كررت الحكم العام بشأن التوجه إلى المسجد الحرام في أي مكان: وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ
الْمَسْجِدِ الْحَرامِ.
صحيح أن هذه العبارة القرآنية تخاطب النّبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم،
لكنها تقصد دون شك مخاطبة عامّة المسلمين، و لمزيد من التأكيد تخاطب الجملة
التالية المسلمين و تقول: وَ حَيْثُ
ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ.
ثم تشير الآية إلى ثلاث مسائل هامّة:
1- إلجام المعارضين- تقول الآية: لِئَلَّا
يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ.
قبل تغيير القبلة كانت ألسنة المعارضين من اليهود و المشركين تقذف المسلمين
بالتهم و الحجج، اليهود يعترضون قائلين: إن النّبي الموعود يصلي إلى قبلتين، و هذه
العلامة غير متوفرة في محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم، و المشركون يعترضون
على النّبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قائلين: كيف ترك محمّد الكعبة و هو يدعي
أنّه بعث لإحياء ملّة إبراهيم.
هذا التغيير أنهى كل هذه الاعتراضات.
لكن هذا لا يمنع الأفراد اللجوجين المعاندين أن يصروا على مواقفهم، و أن
يرفضوا كل منطق، لذلك تقول الآية: إِلَّا
الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ.
فهؤلاء لا يستقيمون على طريق، حتّى اتجهتم صوب بيت المقدس للصلاة