هذا الإمر الإلهي نزل حيث كان المسلمون بحاجة إلى بناء المجتمع الإسلامي. و في
تلك الظروف يوجب على المسلمين أن يلجأوا إلى سلاح العفو و الصفح حتى يأتي اللّه
بأمره.
كثير من المفسرين قالوا إن «أمر اللّه» في هذه الآية يعني «أمر الجهاد»، و لعل
الجماعة المسلمة لم تكن على استعداد شامل لخوض معركة دامية حين نزلت هذه الآية، و
لذلك قيل إن آيات الجهاد نسخت هذه الآية.
و لعل التعبير بالنسخ في هذا الموضع ليس بصحيح، لأن الآية تحمل في عبارتها
الإطار الذي يحدّها بفترة زمنية محدودة.
الآية التالية تأمر المسلمين بحكمين هامّين: إقامة الصلاة باعتبارها رمز
ارتباط الإنسان باللّه، و إيتاء الزكاة و هي أيضا رمز التكافل بين أبناء الامّة
المسلمة، و كلاهما ضروريان لتحقيق الإنتصار على العدو: وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ.
ثم تؤكّد الآية على خلود العمل الصالح و بقائه: وَ ما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ
عِنْدَ اللَّهِ. و اللّه سبحانه عالم بالسرائر، و يعلم دوافع
الأعمال، و لا يضيع عنده أجر العاملين
إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.
بحوث
1- «اصفحوا» من «صفح»، و صفح الشيء عرضه و جانبه كصفحة الوجه و صفحة السيف و
صفحة الحجر، و الأمر بالصفح هو الأمر بالإعراض، لكنّ عطفها على «فاعفوا» يفهم أنه
أمر بالإعراض لا عن جفاء، بل عن عفو و سماح.
و هذا التعبير يوحي أيضا أن المسلمين كانت لهم قدرة المقابلة و عدم الصفح،