نفهم من قول اللّه في هذه الآيات أن السحرة ما كانوا قادرين على إنزال الضّر
بأحد دون إذن اللّه سبحانه، و ليس في الأمر «جبر» و لا إرغام، بل إن هذا المعنى
يشير إلى مبدأ أساس في التوحيد، و هو إن كلّ القوى في هذا الكون تنطلق من قدرة
اللّه تعالى، النار إذ تحرق إنما تحرق بإذن اللّه، و السكين إذ تقطع إنما تقطع
بأمر اللّه. لا يمكن للساحر أن يتدخل في عالم الخليفة خلافا لإرادة اللّه.
كلّ ما نراه من آثار و خواص إنما هي آثار و خواص جعلها اللّه سبحانه للموجودات
المختلفة، و من هذه الموجودات من يحسن الاستفادة من هذه الهبة الإلهية و منهم من
يسيء الاستفادة منها. و «الإختيار» الذي منحه اللّه للإنسان إنما هو وسيلة لاختباره
و تكامله.
5- السحر و تأريخه:
الحديث عن السحر و تاريخه طويل، و نكتفي هنا بالقول إن جذوره ضاربة في أعماق
التاريخ، و لكن بداياته و تطوراته التاريخية يلفّها الغموض و لا يمكن تشخيص أول من
استعمل السحر.
و بشأن معناه يمكن القول: إنه نوع من الأعمال الخارقة للعادة، تؤثر في وجود
الإنسان، و هو أحيانا نوع من المهارة و الخفة في الحركة و إيهام للأنظار، كما إنه
أحيانا ذو طابع نفسي خيالي.
و السحر في اللغة له معنيان:
1- الخداع و الشّعوذة و الحركة الماهرة.
2- كل ما لطف و دقّ.
و الراغب ذكر للفظ السحر ثلاثة معان قرآنية:
الأوّل: الخداع و تخييلات لا حقيقة لها، نحو ما يفعله المشعبذ بصرف الأبصار