المرحلة الثّالثة: الذّكر القلبي، و قالوا في
تفسيره، إنّه الإحساس الوجداني بحضور اللَّه تعالى، في أجواء القلب، ثم جريان ذكر
اللَّه على اللّسان، فعندما يرى عجائب خلقته، و دقائق صنعته، من أرضٍ و سماءٍ و
مخلوقاتٍ، و ما بثّ فيها من دابّةٍ، سيقول:
«العَظَمَةُ للَّهِ الوَاحِدِ القهَّارِ».
فهذا الذّكر نابعٌ من القلب، و ينبىءُ عن حالةٍ باطنيّةٍ في داخل الإنسان.
و مرّةَ يشهد الإنسان في نفسه، نوعاً من الحُضور المعنوي للَّهتعالى، من دون
واسطةٍ، فيترنّم بأذكارٍ، مثل «يا سُبُّوحُ
وَيا قُدُّسُ» أو
«سُبحانَكَ لا إِلَهَ إِلّا أَنْتَ».
و هذا الأذكار القلبيّة، لها دورها الفاعل في تهذيب النّفوس وتربية الفضائل
الأخلاقيّة، كما عاشت الملائكة هذا النوع من الذّكر، عندما شاهدوا آدم عليه
السلام، وسِعة علمه و إطلّاعه على الأسماء الإلهيّة، فقالوا: «سُبْحَانَكَ
لَاعِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ» [1].
و أشار القرآن الكريم، إلى مراحلٍ من الذّكر، فقال: «وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ
وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا» [2].
و في مكانٍ آخر، يقول: «وَاذْكُرْ رَبَّكَ في نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً
وَدُونَ الْجَهْرِ مِنْ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالاصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنْ
الْغَافِلِينَ» [3].
ففي الآية الاولى، نجد تقريراً على مستوى التّوجه لِلذكر اللّفظي العميق، ثم
التّبتل و الإنقطاع إلى اللَّه تعالى، أَيْ: التّحرك من موقع الإبتعاد عن الناس، و
الإتصال باللَّه تعالى في خطّ العبادة و الذّكر.
و الآية الثّانية: تتحدث عن الذّكر القلبي، الذي يؤدّي إلى أن يعيش الإنسان،
حالة التّضرع و الخوف من الباري تعالى، في أجواء الذكر الخفي، فتتحرك عمليّة
الذّكر بشكلٍ بطيءٍ من الباطن و تجري على اللّسان.