و نستنتج من ذلك، أنّ الذّكر الحقيقي، هو الذّكر الذي يترك أثره الإيجابي في
أعماق روح الإنسان، و يفعّل إتجاهاته الفكريّة و العمليّة في خطّ التّقوى و
الإلتزام الدّيني، و يربّي في النّفس و الرّوح، عناصر الخير و الصّلاح، و يدعو
الإنسان إلى اللَّه العزيز الحكيم.
و من يذكر اللَّه تعالى على مستوى اللّسان، و يتبع الشّيطان على مستوى
المُمارسة و العمل، فهو ليس بِذاكِرٍ حقيقي، و لا يذكر اللَّه من موقع الإخلاص، بل
هو كما قال الإمام علي بن موسى الرّضا عليه السلام: «مَنْ الذِّكْرِ ولَمْ يَسْتَبِقْ إِلى لِقائِهِ فَقَدْ إسْتَهزَءَ
بِنَفْسِهِ»[1].
2- مراتب الذّكر
ذكر علماء الأخلاق، أن ذّكر اللَّه تعالى، على مراتب و مراحل:
المرحلة الاولى: الذِّكر اللّفظي، حيث يجري
فيها الإنسان أسماء اللَّه الحُسنى، و صفات جَماله و جَلاله، على لسانه، من دون
التّوجه إلى معانيها و مُحتواها، كما يفعل كثيرٌ من المصلّين السّاهين في صلاتهم،
وهو نوع من الذّكر، و له تأثيره المحدود على آفاق النّفس و الفِكر! ولكن لماذا؟.
لأنّه أولًا: يعتبر مقدمةً لِلمراحل التّالية.
و ثانياً: أنّه لا يخلو من التّوجه الإجمالي نحو اللَّه تعالى، لأنّ المصلي و
على أيّةِ حالٍ، يعلم أنّه يصلّي و هو واقفٌ بين يَدَيِّ اللَّه تعالى، ولكنّه لا
يتوجه لما يقول بصورةٍ تَفصيليَّةٍ، ولكن مع ذلك فهذا النّوع من الذّكر، لا يؤثّر
في حياة الإنسان، على مستوى تهذيب النّفس و تربية الأخلاق.
المرحلة الثانية: الذّكر المعنوي، وهو أن
يلتفت الإنسان لمعاني الأذكار التي تجري على لسانه، و من البديهي أنّ التّوجه
لمعاني الأذكار، و خصوصيّة كلّ واحدةٍ منها، سيعمّق الإمتداد المعنوي لمضامين
الذّكر في واقع الإنسان، و بالإستمرار و المداومة سيحسّ الذّاكر، بمعطيات هذا
الذّكر في نفسه و روحِهِ.