فهنا لا يمكن العبور من هذه المطبّات، إلّابتوفيقٍ من الباري تعالى، و تسديدٍ
إلهي يشمل حال السّائرين إليه، و بدونه ستبقى الشّوائب عالقة في القلب و النّفس، و
كأنّ الباري تعالى يريد أن يُتحف هؤلاء المخلِصين، الذين لم يتخلّصوا تماماً من
عَلَق الشّوائب، و وصلوا بالقرب من النّهاية، بأن يبدل شوائبهم باليّقين، بلطفه و
عنايته، و يجعلهم في عداد المخلَصين.
فعند وصول الإنسان إلى هذه المرحلة، يكون في مأمَنٍ من الأهواء، و من الوساوس
الشّيطانية، بما يمثّل من تحدّيات صعبة في طريق التّكامل، و بالتّالي ينقطع طمع
الشّيطان فيه، ويظهر عجزه عن إغوائه بصورةٍ رسميّةٍ.
و هنا يستقر المخلَصين في النّعيم الخالد، و يرتعون بالمواهب الإلهيّة، و يكون
ثناؤهم و توصيفهم، للذات المقدّسة بالصّفات الجماليّة و الجلاليّة الإلهيّة، قد
صبغت بصبغة التّوحيد الخالص، وبما أنّهم صفّوا حساباتهم في هذه الدنيا، فستكون
عاقبتهم أنّهم سيدخلون الجنّة بغير حساب.
و يصف الإمام علي عليه السلام في بعض خطبه، التي وردت في نهج البلاغة، اولئك
المخلصين، فيقول: «قَدْ أَخْلَصَ للَّهِ فَاسْتَخْلَصَ»[1].
و قال الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله: «فَعِنْدَ ذَلِكَ إسْتَخْلَصَ اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ لِنُبُوَّتِهِ وَ
رِسالَتِهِ مِنَ الشَّجَرَةِ المُشَرِّفَةِ الطَّيِّبَةِ ... مُحَمَّداً
اخْتَصَّهُ للِنُبُوَّةِ وَاصطَفاهُ بِالرِّسالَةِ»[2].
و في حديثٍ آخر عن أحد المعصومين عليهم السلام أنّه قال: «وَجَدْتُ ابنَ آدَمَ بَينَ الشَّيطانِ فَإنْ أَحَبِّهُ اللَّهُ تَقَدَّسَتْ
أَسْمائَهُ، خَلَّصَهُ وَ آسْتَخْلَصَهُ وَإِلّا خَلّى بَينَهُ وَبَينَ
عَدُوِّهِ»[3].
و الخلاصة، إنّ الإخلاص في النيّة و الفكر و العمل، هو من أهمّ الخُطى في
عمليّة التّهذيب و التّربية و السّير إلى اللَّه تعالى.