و الحقّ و التّكامل، هذا هو الهدف الأصلي للإنسان، في دائرة الوصول لمرتبة
القرب الإلهي، و العبودية الحقّة، قال الباري تعالى: «وَ ما خَلَقْتُ الجِنَّ
وَالإِنْسَ إلَّالِيَعْبُدُونِ» [1].
و لا شك فإنّ وجوب التّوبة، و قبولها من قبل الباري تعالى، يشكّل إحدى حلقات
التّكامل المعنوي للإنسان، لأنّ الإنسان من طبيعته الخطأ، فإذا أوصد الباب دونه،
فلن يتكامل أبداً.
و إذا ما احيط الإنسان علماً بالتّوبة، و أنّ الباري فتح الباب أمامه بشرط
إصلاح ما مضى، فمثل هذا الإنسان يكون أقرب للسّعادة و التّكامل، ويبتعد عن
الإنحراف و الخطأ في مسيرة الحياة.
و النّتيجة: أنّ عدم قبول التّوبة يؤدي إلى نقض الغرض، لأنّ الهدف من
التّكاليف و الطّاعة، هو تربية و تكامل الإنسان، وعدم قبولها لا ينسجم مع هذا
الغرض، ومن البعيد عقلًا على الحكيم، أن ينقض غرضه.
و على كلّ حال، فإنّ التّوبة و قبولها لها علاقةٌ وثيقةٌ بالتّكامل الإنساني،
و بدونها سينتفي الدّافع و القصد للتّكامل، و سيكون الإنسان في غاية اليأس من
النّجاة، مما يشجعه على الّتمادي في إرتكاب المعاصي و مُمارسة الجريمة، و لذلك
فإنّ كلّ المربّين، سواء كانوا إلهيين أم ماديّين، يؤكّدون على مسألة التّوبة، و
يجعلون الطّريق مفتوحاً دائماً أمام الخاطئين، كَي يُحرّكوا فيهم روح الأنابة، و
دافع الإصلاح والحركة نحو الكمال المُطلق.
و عليه فإنّ التوبة بشرائطها، لم تحكم بها الآيات و الرّوايات فقط، بل هي
ثابتة بحكم العقل و سيرة العُقلاء، و هذا أمرٌ لا يمكن تجاهله البتّة.
6- التّبعيض في التّوبة
هل يمكن للإنسان أن يقيم على بعض الذّنوب، و يتوبَ عن البعض الآخر؟؛ فمثلًا
إذا كان يشربُ الخَمر و يغتابُ الناس، فهل يصحّ منه الإقلاع عن الخمر فقط، بينما
يستمر في خط الغِيبة؟