إنّ أحد
القيم التي كان أمير المؤمنين عليه السلام ملتزماً بها بشدّة هي تقديم الضابطة على
الرابطة، و المثال على ذلك هو قصّة الحديدة المحماة التي سمعتموها مراراً، و لكن
لا بأس باستعراضها مرّة اخرى:
عند ما وصلت
الخلافة إلى الإمام علي عليه السلام بعد سنوات من السكوت و المظلومية و الجلوس في
البيت جاء إليه أخوه عقيل، و كان فقيراً و معيلًا، من المدينة إلى الكوفة لعلّه
يحصل على نصيب أوفر من بيت المال، و كان الإمام حينذاك يتناول عشاءه على سطح البيت
لشدّة حرارة الجوّ في مدينة الكوفة و لكنّ عشاءه لم يكن شبيهاً بعشاء السلاطين و
الامراء و لذلك لم يشاركه عقيل في تناول العشاء و قال لأخيه:
أعطني ما
أقضي ديني و عجّل سراحي حتّى أرحل عنك، قال: فكم دينك يا أبا يزيد؟
قال: مائة
ألف درهم، قال: لا و اللَّه ما هي عندي و لا أملكها و لكن اصبر حتّى يخرج عطائي
فأواسيكه و لو لا أنّه لا بدّ للعيال من شيء لأعطيتك كلّه، فقال عقيل: بيت المال
في يدك و أنت تسوّفني إلى عطائك؟ و كم عطاؤك؟ و ما عساه يكون و لو أعطيتنيه كلّه؟
فقال: ما أنا و أنت فيه إلّا بمنزلة رجل من المسلمين. و كانا يتكلمان فوق قصر
الأمارة مشرفين على صناديق أهل السوق فقال له علي: إن أبيت يا أبا يزيد ما أقول
فأنزل إلى بعض هذه الصناديق فاكسر أقفاله و خذ ما فيه، فقال: و ما في هذه الصناديق؟
قال: فيها أموال التجار، قال أ تأمرني أن أكسر صناديق قوم قد توكّلوا على اللَّه و
جعلوا فيها أموالهم؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أ تأمرني أن أفتح بيت مال
المسلمين فأعطيك أموالهم و قد توكّلوا على اللَّه و أقفلوا عليها؟ و إن شئت أخذت
سيفك و أخذت سيفي و خرجنا جميعاً إلى الحيرة فإنّ بها تجاراً مياسير فدخلنا على
بعضهم فأخذنا ماله، فقال: أ و سارقاً جئت؟ قال: تسرق من واحدٍ خير من أن تسرق من
المسلمين جميعاً [1].
ثمّ إنّ
الإمام علي عليه السلام أحمى حديدة و قرّبها من يد أخيه عقيل فلمّا رأى عقيل أن
أخاه