استَطَعتُ، فَدَنا إلَى المَوضِعِ، فَتَهَيَّأَ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ وَثَبَ قائِما و هُوَ يَقولُ: «يا مَن أحارَ كُلَّ شَيءٍ مَلَكوتا، و قَهَرَ كُلَّ شَيءٍ جَبَروتا، أولِج قَلبي فَرَحَ الإِقبالِ عَلَيكَ، و ألحِقني بِمَيدانِ المُطيعينَ لَكَ»، قالَ: ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّلاةِ، فَلَمّا أن رَأَيتُهُ قَد هَدَأَت أعضاؤُهُ، و سَكَنَت حَرَكاتُهُ، قُمتُ إلَى المَوضِعِ الَّذي تَهَيَّأَ مِنهُ لِلصَّلاةِ، فَإِذا بِعَينٍ تُفيضُ بِماءٍ أبيَضَ، فَتَهَيَّأتُ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ قُمتُ خَلفَهُ، فَإِذا أنَا بِمِحرابٍ كَأَنَّهُ مُثِّلَ في ذلِكَ المَوقِفِ، فَرَأَيتُهُ كُلَّما مَرَّ بِآيَةٍ فيها ذِكرُ الوَعدِ وَ الوَعيدِ يُرَدِّدُها بِأَشجانِ الحَنينِ، فَلَمّا أن تَقَشَّعَ الظَّلامُ وَثَبَ قائِما و هُوَ يَقولُ: «يا مَن قَصَدَهُ الطالِبونَ فَأَصابوهُ مُرشِدا، و أمَّهُ الخائِفونَ فَوَجَدوهُ مُتَفَضِّلًا، و لَجَأَ إلَيهِ العابِدونَ فَوَجَدوهُ نَوّالًا». فَخِفتُ أن يَفوتَني شَخصُهُ، و أن يَخفى عَلَيَّ أثَرُهُ، فَتَعَلَّقتُ بِهِ، فَقُلتُ لَهُ: بِالَّذي أسقَطَ عَنكَ مَلالَ التَّعَبِ، و مَنَحَكَ شِدَّةَ شَوقِ لَذيذِ الرُّعبِ، إلّا ألحَقتَني مِنكَ جَناحَ رَحمَةٍ، و كَنَفَ رِقَّةٍ، فَإِنّي ضالٌّ، و بِعَيني كُلَّما صَنَعتَ، و باذُني كُلَّما نَطَقتَ، فَقالَ: «لَو صَدَقَ تَوَكُّلُكَ ما كُنتَ ضالًّا، و لكِنِ اتَّبِعني وَ اقفُ أثَري»، فَلَمّا أن صارَ تَحتَ الشَّجَرَةِ أخَذَ بِيَدي، فَتَخَيَّلَ إلَيَّ أنَّ الأَرضَ تُمَدُّ مِن تَحتِ قَدَمي، فَلَمَّا انفَجَرَ عَمودُ الصُّبحِ، قالَ لي: «أبشِر فَهذِهِ مَكَّةُ»، قالَ: فَسَمِعتُ الصَّيحَةَ، و رَأَيتُ المَحَجَّةَ.
فَقُلتُ: بِالَّذي تَرجوهُ يَومَ الآزِفَةِ و يَومَ الفاقَةِ، مَن أنتَ؟
فَقالَ لي: «أمّا إذا أقسَمتَ عَلَيَّ فَأَنَا عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ بنِ عَلِيِّ ابنِ أبي طالِبٍ صَلَواتُ اللّهِ عَلَيهِم».[1]
2/ 5
موسى الكاظم
557. إحقاق الحقّ عن شَقيقٍ البَلخيّ: خَرَجتُ حاجّا في سَنَةِ تِسعٍ و أربَعينَ و مِائَةٍ
[1] فتح الأبواب: ص 246.