فإن قال قائل: إنّ هذا شيء اتّفق أن يكون هكذا، فما منعه أن يقول مثل هذا في دولاب يراه يدور، ويسقي حديقة فيها شجر ونبات، فترى كلّ شيء من آلته مقدّراً بعضه يلقى بعضاً على ما فيه صلاح الحديقة و بما فيها؟ وبِمَ كان يثبت هذا القول لو قاله؟ وما ترى الناس كانوا قائلين منه لو سمعوه منه؟ أفينكر أن يقول في دولاب خشب خسيس مصنوع بحيلة قصيرة لمصلحة قطعةٍ من الأرض: إنّه كان بلا صانع ومقدّر، ويقدر أن يقول في هذا الدولاب الأعظم المخلوق بحكمة تقصر عنها أذهان البشر لصلاح جميع الأرض وما عليها: إنّه شيء اتّفق أن يكون بلا صنعة ولا تقدير لو اعتلّ هذا الفلك كما تعتلّ الآلات التي تتّخذ للصناعات وغيرها أيّ شيء كان عند الناس من الحيلة في إصلاحه». [1]
هذا نبذة ممّا قاله 7 في خلق السماوات.
فصل: في خلق الأرضيّات
قال 7: «فكِّر يا مفضّل فيما خلق اللَّه عزّوجلّ من هذه الجواهر الأربعة [2] ليتّسع ما يحتاج إليه منها، فمن ذلك سعة هذه الأرض وامتدادها، فلولا ذلك كيف كانت تتّسع لمساكن الناس ومزارعهم ومراعيهم ومنابت أخشابهم وأحطابهم والعقاقير العظيمة والمعادن الجسيمة غناؤها؟ ولعلّ من ينكر هذه الفلوات الخاوية والقفار الموحشة، فيقول: ما المنفعة فيها؟ فهي مأوى هذه الوحوش ومحالّها ومرعاها، ثمّ فيها بعدُ منتفسٌ ومضطرب للناس إذا احتاجوا إلى الاستبدال بأوطانهم، فكم بيداء، وكم فَدْفَد [3] حالت قصوراً وجناناً بانتقال الناس إليها وحلولِهم فيها، ولولا سعة الأرض وفسحتها لكان الناس كمن هو في حصار ضيّق لايجد منه مندوحةً من وطنه، وإذا حزبه أمر يضطرّه إلى الانتقال عنه.