واستعبرت باكية ، فبكى الناس رفقاً بها
وتقطعت قلوبهم حزناً عليها ، وهم ينظرون اليها ، وهي تقلب التراب بين أناملها ، في
حركة يائسة ، كمن فرغت من الدنيا ، ثم تأخذ حفنة من تراب القبر ، وتدنيها من
عينيها اللتين قرحهما البكاء ثم راحت تشم ذلك التراب وهي تقول متفجعة :
ماذا على من شم تربة احمد
ألا يشم مدى الزمان غواليا
صُبَّت عليّ مصائب لو أنها
صبت على الأيام عدن لياليا
ورجعت عليهاالسلام
، مع بعض النسوة الى البيت ، والناس تتبعها بعيون دامعة ، وقلوب متصدعة ، حتى إذا
بلغت دارها ، استأذن عليها أنس بن مالك وراح يسألها الصبر والعزاء ، فقالت له
معاتبة :
يا أنس ، كيف طابت نفوسكم ، أن تحثوا
التراب على رسول الله ؟؟
ثم قالت وقد شرقت بدمعها :
إِنا فقدناك فقد الأرض وابلها
وغاب مذ غبت عنا الوحي والكتب
فليت قبلك كان الموت صادفنا
لما نعيت وحالت دونك الكثب
قال ابن شهر اشوب في مناقبه : إن
الزهراء عليهاالسلام ما زالت بعد
أبيها معصبة الرأس ، ناحلة الجسم ، منهدة الركن ، باكية العين ، محترقة القلب ،
يغشى عليها ساعة بعد ساعة : تقول لولديها : أين ابوكما [١] الذي كان يكرمكما ويحملكما ؟ أين
ابوكما الذي كان من أشد الناس حباً لكما وشفقة عليكما !!
[١] ابوكما : تعني
جدهما رسول الله (ص). كان يحبهما كثيراً وكان لهما بمنزلة الاب. وكان يقول : ولداي
هذان سيدا شباب اهل الجنة.