و كذلك كان صلوات اللّه
عليه سالكا طريق شيخه و والده، بانيا في مكارم الأخلاق على قواعده، ساعيا فيما فيه
الصلاح لامّة جدّه، ناصرا مظلومهم بجهده و جدّه، كالطود الشامخ على المتكبّرين، و
كالماء الرائق للمؤمنين، لا يخضع إذا قلّ ناصره، و لا يضرع إذا غلب قاهره، كما قال
الأوّل:
لا يخرج القرمني غير ما بيه
و لا ألين لمن لا يبتغي ليني
و كذلك كان أخوه سيّد
الشهداء، و خامس أصحاب الكساء، لا يقذع صفاته، و لا يكدر صفاءه، ذا أنف حمي و طبع
أبي، لمّا كان مجده أرفع من السماك الأعزل و أعلى، رأى القتل في العزّ حياة و
الحياة في الذلّ قتلا، صلّى اللّه عليهما و على جدّهما و أبيهما و امّهما.
[أنّ يزيد بن معاوية رأى زوجة عبد اللّه بن عامر بن كريز فهام بها
و أراد الزواج بها، غير انّها أرادت الزواج من الحسن عليه السلام]
روي أنّ يزيد بن معاوية
عليه و على أبيه و على المعتقد إسلامهما و الشاكّ في كفرهما لعنة اللّه و الملائكة
و الناس أجمعين رأى زوجة عبد اللّه بن عامر بن كريز، و هي أمّ خالد بنت أبي جندل
بن سهيل بن عمرو، و كانت من الجمال و الحسن في الغاية القصوى، فهام بها حتى امتنع
من الطعام و الشراب، و آلى أمره إلى ملازمة الفراش من شدّة السقم و الشغف بها،
فعاده أبوه لعنه اللّه، فشكا ذلك إليه و أعلمه بسبب علّته، و كان الرجل منزله
المدينة، فأرسل معاوية إلى عامله عليها أن أرسل إليّ بعبد اللّه بن عامر موقّرا
معظّما له، قائما بجميع ما يحتاج إليه في سفره، و فيما فيه صلاح أهله.
فلمّا وصل عبد اللّه إلى
معاوية أراه من التعظيم و التبجيل ما لا مزيد عليه،