و كان عليه السلام عالما
بذلك من لئيم طبعهم، متحقّقا لغدرهم و خذلهم، متيقّنا ممالاتهم عدوّه عليه، عالما
بإنفاذ رسائلهم إليه، قد مال بهم الهوى، و أغواهم حبّ الدنيا، فباعوا الآخرة
الباقية، بلذّتها الزائلة الفانية.
هل أغوى ابن حرب بحربه و
استحثّه على طلبه إلّا حبّ زينتها، و الافتتان بزهرتها، و طلب متاعها، و التلذّذ
باستماعها، و الميل مع بنيّها، إيثارا من حطامها، و يتمتّع بزائل أيّامها، و كانت
جماعة أكابرهم و رؤسائهم و أعيانهم و زعمائهم في كلّ حين لهم عيون و رسل و مكاتبات
إلى اللعين بن اللعين، فعليه و عليهم لعنة اللّه و لعنة اللاعنين، و إنّما سار بهم
عليه السلام إلى خصمه مع شدّة يقينه بغدرهم، و علمه[1] بقبيح نكثهم و مكرهم، قياما للحجّة
عليهم، و توجيها لقطع المعذرة منهم، لئلّا يقولوا يوم القيامة: إِنَّا
كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ[2] أو يقولوا: لو
سرت بنا إلى عدوّك لوجدتنا لك من الناصحين، فأقام عليهم الحجّة بمسيره، و أظهر
خفيّ نفاقهم بتدبيره، و كان ذلك فرض اللّه عليه، و ما فوّض من الرئاسة العامّة
إليه، مع علمه بخذلهم لأبيه و غدرهم به، فأذعن للهدنة، و أطفأ بصلحه الفتنة، و درك
عليهم الحجّة فباءوا بغضب من اللّه بشملهم، و خزي في الدارين ببغيهم، و سيجازى كلّ
بفعله، و لا يحيق المكر السيّئ إلّا بأهله، كلّ ذلك و هو عليه السلام كما وصف
اللّه إباءه في محكم ذكره، و نوّه فيه بمدحه و شكره، فقال سبحانه في كتابه المبين
و ذكره الحكيم: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى
الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ
ذلِكَ