فلمّا سمع الناس ذلك
جعلوا يتسلّلون و يتخاذلون عن مسلم، و يقول بعضهم لبعض: ما نصنع بتعجيل الفتنة و
غدا تأتينا جموع أهل الشام؟ ينبغي لنا أن نقعد في منازلنا و ندع هؤلاء القوم حتى
يصلح اللّه ذات بينهم.
قال: و كانت المرأة تأتي
أخاها و ابنها و زوجها و أباها فتشرّده من بين القوم و تقول: ما لنا و للدخول بين
السلاطين، فجعل القوم يتسلّلون و النهار يمضي، فما غابت الشمس حتى بقي مع مسلم
عشرة من أصحابه، و اختلط الظلام فدخل مسلم المسجد الأعظم ليصلّي المغرب فتفرّقت
عنه العشرة، فلمّا رأى ذلك استوى على فرسه و مضى في بعض الأزقّة و قد اثخن بالجراح
لا يدري أين يذهب، حتى صار إلى امرأة يقال لها طوعة، و قد كانت قبل ذلك أمّ ولد
للأشعث بن قيس فتزوّجها رجل يقال له اسيد الخضرمي، فولدت له بلال بن اسيد، و كانت
المرأة واقفة بباب دارها تنتظر ابنها، فسلّم عليها مسلم، فردّت عليه.
فقال: يا أمة اللّه،
اسقيني، فسقته، فجلس على بابها.
فقالت: يا عبد اللّه، ما
شأنك، أ لست قد شربت؟
فقال: بلى، و لكنّي ما
لي في الكوفة من منزل، و إنّي لغريب قد خذلني من كنت أثق به، فهل لك في معروف
تصطنعيه إليّ؟ فإنّي من أهل بيت شرف و كرم، و مثلي من يكافئ بالاحسان.
فقالت: و من أنت؟
فقال: يا هذه، ذري عنك
التفتيش و أدخليني منزلك فعسى اللّه أن