والغرض من هذا البحث ايقاف القارئ على
التمييز بين العلمين لاختلاف الاغراض الباعثة إلى تدوينهما بصورة علمين متمايزين ،
والحيثيّات الراجعة إلى الموضوع ، المبيّنة لاختلاف الاهداف ، فنقول :
ان الفرق بين العلمين يكمن بأحد الوجوه
التالية على سبيل مانعة الخلوّ :
١ ـ العلمان يتّحدان موضوعاً ولكنَّ
الموضوع في كلّ واحد يختلف بالحيثّية ، فالشخص بما هو راو وواقع في سند الحديث ،
موضوع لعلم الرجال ؛ وبما أنَّ له دوراً في حقل العلم والاجتماع والادب والسياسة
والفنّ والصناعة ، موضوع لعلم التراجم. نظير الكلمة العربيّة التي من حيث الصحّة
والاعتلال موضوع لعلم الصّرف ، ومن حيث الاعراب والبناء موضوع لعلم النحو. ولأجل
ذلك يكون الموضوع في علم الرجال هو شخص الراوي وان لم تكن له شخصيّة اجتماعية ،
بخلاف التراجم فإنّ الموضوع فيه ، الشخصيات البارزة في الاجتماع لجهة من الجهات.
٢ ـ العلمان يتّحدان موضوعاً ويختلفان
محمولاً ، فالمحمول في علم الرجال وثاقة الشخص وضعفه ، وأمّا التعرّف على طبقته
وعلى مشايخه وتلاميذه ومقدار رواياته كثرة وقلّة ، فمطلوب بالعرض والبحث عنها لأجل
الوقوف على المطلوب بالذّات وهو تمييز الثقة الضابط عن غيره ، إذ الوقوف على طبقة
الشخص والوقوف على مشايخه والراوين عنه خير وسيلة لتمييز المشتركين في الاسم ، ولا
يتحقّق التعرّف على الثقة إلا به. كما أنّ الوقوف على مقدار رواياته ومقايسة ما
يرويه مع ما يرويه غيره من حيث اللّفظ والمعنى ، سبب للتعرّف على مكانة الراوي من
حيث الضبط.
أمّا المطلوب في علم التراجم فهو
التعرّف على أحوال الاشخاص لا من حيث الوثاقة والضّعف ، بل من حيث دورهم في حقل
العلم والأدب والفنّ والصناعة من مجال السياسة والاجتماع وتأثيره في الاحداث
والوقائع إلى غير ذلك ممّا يطلب من علم التراجم.