وأمّا إذا لم يكن هناك مخاطب خاص لجهة
الخطاب فلابد أن يكون كلامه سبحانه على وجه الاطلاق معنى آخر سنذكره فيما بعد.
٢ ـ نظريّة الحكماء
لا شك انّ الكلام في انظار عامّة الناس
هو الحروف والأصوات الصادرة من المتكلّم القائمة به ، وهو يحصل من تموّج الهواء واهتزازه
بحيث إذا زالت الأمواج غاب الكلام عنه ، ولكن الإنسان الاجتماعي يتوسّع في اطلاقه
فيطلقه على الخطبة المنقولة أو الشعر المروي عن شخص ، ويقول هذا كلام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أو شعر اُمرئ القيس مع أنّ كلامهما قد
زالا بزوال الموجات والاهتزازات ، وما هذا إلاّ من باب التوسّع في الاطلاق ومشاهدة
ترتّب الأثر على المرويّ والمنقول وعلى هذا يتوسّع بأزيد من هذا ، فكلّ فعل من
المتكلّم أفاد نفس الأثر الذي يفيده كلامه اللفظي يسمّيه كلاماً لاشتراكهما في
ابراز ما يضمره المتكلّم في قرارة ذهنه من المعاني والحقائق ، وبذلك تكون اللوحة
الفنيّة كلاماً لرسّامها حتى انّ البناء الشامخ كلام يعرب عن نبوغ البنّاء والمعمار
والمهندس ، فلأجل ذلك نرى انّه سبحانه يصف عيسى بن مريم بأنّه كلمة الله ألقاها
إلى مريم العذراء فيقول : (يَا أهل الْكِتَابِ
لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الحَقَّ إِنَّمَا
المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا
إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ) ( النساء / ١٧١
).
وكيف لا يكون سيّدنا المسيح كلمة الله مع
أنّه كاشف عن قدرته العظيمة على خلق الإنسان في الرحم من دون لقاح بين اُنثى وذكر
، ولأجل ذلك عدّ وجوده آية ومعجزة.
وفي ضوء هذا البيان يظهر وجه عدّ جميع
ما في الكون كلمات الله سبحانه ،