إذا وقفت على هذه المقدمات فاعلم أنّ
البحث في علمه سبحانه تارة يقع في علمه بذاته ، وثانياً في علمه بالأشياء.
فلنقدّم البحث الأوّل على الثاني.
علمه سبحانه بذاته :
فنقول : المراد من علمه سبحانه بذاته ،
ليس علمه بها على نحو العلم الحصولي ، بمعنى أخذ صورة عن الذات ومشاهدتها عن طريق
الصورة ، لأنّ العلم بها عن هذا الطريق محال في حقّه سبحانه ، لأنّ انتزاع الصورة
فرع التعرّف على المنتزع ، فلو كان التعرّف عليها عن طريق انتزاع الصورة لزم
الدور.
وإن قيل تقدّم الصورة الحاكية عن الذات
، يلزم تركّبه من صورة وذيها.
بل المراد حضور ذاته لدى ذاته ويمكن
اثباته بوجهين :
الدليل
الأوّل : لا شك إنّه سبحانه مبدئ لموجودات عالمة
بذواتها ، أي حاضرة لديها بنفسها كالإنسان فلابدّ أن يكون سبحانه المعطي لذلك
الكمال واجداً له بأتمّ وجه وأفضله ، إذ لا يمكن أن يكون معطي الكمال فاقداً له ،
فهو واجد لهذه الصفة ، وذاته حاضرة لديه بأحسن ما يكون من معنى للحضور.
ونحن وإن كنّا لا نحيط بكيفيّة علمه وخصوصيّة
حضور ذاته لديه سبحانه ، غير انّا نشير إلى هذا العلم ب « حضور ذاته لديه وعلمه
بها من دون وساطة شيء في البين أبداً ».
وخلاصة القول بأنّه كيف يسوغ عند ذي
فطرة إنسانيّة أن يكون واهب كمال ما ، ومفيضه ، قاصراً عن ذلك الكمال ؟ فيكون
المستوهب أشرف من الواهب ، والمستفيد أكرم من المفيد ، وحيث ثبت استناد جميع
الممكنات إلى ذاته ( تعالى ) التي هي وجوب صرف وفعليّة محضة ومن جملة ما يستند
إليه هي الذوات العالمة ،