وقال سبحانه حاكياً عن نوح عند وقوف
سفينته على الجودي : (رَبِّ
أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ المُنزِلِينَ) ( المؤمنون
/ ٢٩ ).
والمنزل في الآية الثانية امّا مصدر
ميمي بمعنى الانزال أو اسم مكان بمعنى المنزل ، فهو يطلب من الله تعالى أن يتفضّل
عليه بانزال مبارك أو منزل مبارك بأن يكون ذات ماء وشجر أو غير ذلك ممّا يمهّد
الحياة.
وأمّا معناه فقد قال ابن فارس : « النزل
» يدلّ على هبوط شيء ووقوعه ، يقال : نزل عن دابّته نزولاً ، ونزل المطر من السماء
نزولاً ، والنازلة : الشديدة من شدائد الدهر تنزل ، والنزل ما يهيّئ للنزيل ، وطعام
ذو نزل أي ذو فضل ، ويعبّرون عن الحجّ بالنزول ، ونزل : إذا حج ، وقال الراغب : «
النزول » في الأصل هو انحطاط من علوٍ يقال نزل عن دابّته ونزل في مكان كذا : حطّ
رحله فيه ، وأنزله غيره قال : « أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين ».
والظاهر أنّ له معنى واحد وهو الانحطاط
من علو ، فلو اطلق على المضيف حتى فسّر قوله سبحانه : (وَأَنَا خَيْرُ المُنزِلِينَ) في سورة
يوسف به لأجل أنّ المضيف ينزل الضيف عن دابّته ، وهو في جميع الموارد بمعنى واحد ،
فالله منزل القرآن نفسه إلى قلب رسوله ، قال : (اللهُ
الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ) ( الشورى / ١٧ ) ومنزل الحديد.
قال سبحانه : (وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ) ( الحديد / ٢٥
) ومنزل « الأنعام » و « الماء » و « اللباس » إلى غير ذلك ممّا تعلّق به الانزال
في الذكر الحكيم ، ففي الكلّ نوع هبوط من علو ، ونوح شيخ الانبياء يطلب من الله سبحانه
أن ينزله من السفينة إلى منزل مبارك فإنّه « خير المنزلين » ، فليس توصيفه سبحانه
به بخصوص هذا الملاك بل هو خير المنزلين على الاطلاق سواء أنزل الإنسان إلى الأرض
أو القرآن أو غيره.