١٠ ـ مرّ في هذا البحث حصر التدبير في
الله حتى إذا سئل من بعض المشركين عن المدبّر لقالوا : هو الله ، إذ يقول في الاية
٣١ من سورة يونس :
(وَمَن
يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ).
بينما اعترف القرآن بصراحة في آيات
اُخرى بمدبّريّة غير الله حيث يقول :
(فَالمُدَبِّرَاتِ
أَمْرًا)
( النازعات / ٥ ).
فمن لم يكن له إلمام بمعارف القرآن
يتخيّل لأوّل وهلة أنّ بين تلك الايات تعارضاً غير أنّ الملمّين بمعارف الكتاب
العزيز يدركون أنّ حقيقة هذه الاُمور ( أعني الرازقيّة والشفاء و ... ) قائمة
بالله على نحو لا يكون لله فيها أيّ شريك فهو تعالى يقوم بها بالاصالة وعلى وجه «
الاستقلال » في حين أنّ غيره محتاج إليه سبحانه في أصل وجوده وفعله ، فما سواه
تعالى يقوم بهذه الأفعال والشؤون على نحو « التبعيّة » وفي ظل القدرة الالهية.
وبما أنّ هذا العالم هو عالم الأسباب والمسببات
، وأنّ كل ظاهرة لابدّ أن تصدر وتتحقّق من مجراها الخاص بها المقرر لها في عالم
الوجود ، ينسب القرآن هذه الآثار إلى أسبابها الطبيعية دون أن تمنع خالقية الله من
ذلك ، ولأجل ذلك يكون ما تقوم به هذه الموجودات فعلاً لله في حين كونها فعلاً لنفس
الموجودات ، غاية ما في الأمر انّ نسبة هذه الامور إلى الموجود الطبيعي نفسه إشارة
إلى الجانب « المباشري » فيما يكون نسبتها إلى « الله » إشارة إلى الجانب « التسبيبي
».