فهذه الآيات ونظائرها تحكي عن نزاهة
المخلصين عن إغواء الشيطان وجرّه إيّاهم إلى الطرق المظلمة.
توضيحه : انّ الغي يستعمل تارة في خلاف
الرشد وإظلام الأمر ، وأُخرى في فساد الشيء ، قال ابن فارس : فالأوّل الغي وهو
خلاف الرشد ، والجهل بالأمر والانهماك في الباطل ، يقال : غوى يغوي غياً ، قال
الشاعر :
فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره
ومن يغو لا يعدم على الغي لائماً
وذلك عندنا مشتق من الغياية ، وهي
الغبرة والظلمة تغشيان ، كأنّ ذا الغيِّ قد غشيه ما لا يرى معه سبيل حق.
وأمّا الثاني : فمنه قولهم : غوي الفصيل
إذا أكثر من شرب اللبن ففسد جوفه ، والمصدر : الغوى [١].
وعلى ذلك فسواء فسرت الغواية في الآيتين
بالمعنى الأوّل كما هو الأقرب أو بالمعنى الثاني ، فالعباد المخلصون منزهون عن أن
تغشاهم الغبرة والظلمة في حياتهم أو أن يرتكبوا أمراً فاسداً ، ونفي كلا الأمرين
يستلزم العصمة ، لأنّ العاصي تغشاه غبرة الجهل وظلمة الباطل ، كما أنّه يفسد علمه
بالمخالفة.
نعم إثبات الغواية لا يستلزم إثبات
المعصية ، فإنّ مخالفة الأوامر الإرشادية التي لا تتبنى إلاّ النصح والإرشاد وإن
كانت تلازم غشيان الغبرة في الحياة وفسادالعمل ، لكنها لا تستلزم التمرد والتجري
اللّذين هما الملاك في صدق المعصية.