ثم إنّ كثيراً من هذه الصلاحيات وإن كانت
خارجة عن إطار الاكتساب لكن بعضاً منها قابل له في ضوء المواهب الإلهية ، وكون
الرسالة أمراً غير اكتسابي لا يلازم أن تكون جميع الأرضيات المصحّحة لإفاضتها ،
أمراً خارجاً عن حد الاكتساب.
وبهذا تبيّن انّه إذا كانت الرسالة رهن
قيد وشروط ، فالإمامة أحرى وأحوج إليها من الرسالة ، لأنّ وظيفة النبي والرسول
تتلخّص في تلقّي الوحي وإبلاغ الرسالة ولكن وظيفة الإمام هي تجسيد البرامج الإلهية
وتحقيقها في المجتمع ، وسوقه إلى سعادة النشأتين وهي أصعب من وظيفة التبليغ.
إنّ القيام بمسؤولية القيادة أشد وطأ من
القيام بمسؤولية التبليغ والبيان ، وهي من أشكل الأُمور وأصعبها ، فلا يقوم بها
إلاّ الإنسان الصبور أمام المصاعب والمشاكل ، الواصل إلى مقام الخلّة الّذي لا يرى
في نفسه وذاته سوى حبه سبحانه ورضاه.
نعم الابتلاء بالمشاكل ، والامتحان
بأُمور صعبة أحد العوامل البنّاءة للشخصيات الإلهية ، وهناك عوامل أُخرى لبنائها
وصنعها ، قد بيّنت في موضعها ، ولأجله لا يجب أن يكون كل إمام مبتلى بما ابتلي به
إبراهيم ، وانّما الواجب الاتصاف بالمواهب الذاتية والفضائل الاكتسابية ، وغير ذلك
من الأُمور المصححة لإفاضة منصب سياسة الأُمّة وتدبير أُمورها وإسعادها في
الدارين.
وباختصار : انّ الابتلاء ليس العامل
الوحيد لإيجاد المؤهلات والصلاحيات ، بل هناك عامل أو عوامل تقوم مقام الابتلاء
وتؤثر أثره ، ولأجل ذلك قد بلغ بعض الأئمّة المعصومين لدى الشيعة إلى القمة من
الكمال والصلاح