الأعلى وكونه
متلقياً للوحي ومطّلعاً عليه ومنبئاً عنه ، يسمّ نبياً ، وإذا كلّف بإبلاغ ما أُمر
به وتجسيد ما أخبر به على صعيد الحياة فهو رسول ، ففي إطار النبوة ليس إلاّ قضية
الاطّلاع على الغيب أو قدرة الإخبار عنه إلى الناس ولا يتعدى عنها كما أنّه في
إطار الرسالة ، مأمور بالإبلاغ والبيان ولا يتعدى عن هذه الوظيفة ، وهذا هو
الموضوع الهام الّذي فرغنا منه في الجزء الرابع من كتابنا : مفاهيم القرآن ولا
حاجة للإعادة [١].
ولكن القول الّذي نركّز عليه هو انّ
الرسول المأمور بالإبلاغ ليس له في هذا المجال أمر ولا نهي ولا إكراه ولا سيطرة ،
بل تتلخص وظيفته في التذكير والتبليغ ، قال سبحانه : (فَذَكِّرْ
إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِم
بِمُصَيْطِرٍ)[٢]
ويقول سبحانه : (فَإِن
تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلاغُ المُبِينُ)[٣] ، ففي هذا المجال تتجلّى وظيفة الرسالة
في بيان الحلال والحرام والمشروع والممنوع وإراءة طرق الصلاح والفلاح ، فلو صحّ في
تبيين الحقيقة التمثيل بشيء أدون من الممثّل فنقول : إنّ مثل الرسول في توجيهاته
الرسالية أشبه بمستنبط الأحكام من الكتاب والسنّة وإبلاغها للناس ، فإذا امتثل
الناس بما يقول فقد امتثلوا إلى المشرّع الأعظم وأطاعوه ، وإن لم يقوموا بأداء ما
يقول فقد خالفوا الشارع وعصوه ، وعلى هذا الضوء فالناس في صلاتهم وصومهم وحجهم
وزكاتهم مطيعون لله سبحانه فقط وليس للرسول أيّ طاعة إلاّ بضرب من العناية ، كما
أنّ للمفتي والمجتهد طاعة مثله ، فحين قال سبحانه : (وَمَا
أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ)[٤] ، فهو يرشد إلى
[١] لاحظ الجزء
الرابع من هذه الموسوعة : ٣١٧ ـ ٣٦٩.