وهذه الجمل الأربع تعرب عن كون القتل
أمراً غير مشروع ، ولأجل ذلك وصفه تارة بأنّه من عمل الشيطان ، وأُخرى بأنّه كان
ظالماً لنفسه ، واعترف عند فرعون بأنّه فعل ما فعل وكان عند ذاك من الضالّين
ثالثاً ، وطلب المغفرة رابعاً.
أقول
: قبل توضيح هذه النقاط الأربع نلفت نظر
القارئ الكريم إلى بعض ما كانت الفراعنة عليه من الأعمال الإجرامية ، ويكفي في ذلك
قوله سبحانه : (إِنَّ
فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً
مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ
المُفْسِدِينَ)[١]
، ولم يكن فرعون قائماً بهذه الأعمال إلاّ بعمالة القبطيين الذين كانوا أعضاده
وأنصاره ، وفي ظل هذه المناصرة ملكت الفراعنة بني إسرائيل رجالاً ونساءً ،
فاستعبدوهم كما يعرب عن ذلك قوله سبحانه : (وَتِلْكَ
نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ)[٢] ولمّا قال فرعون لموسى : (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا)[٣] واستعلى عليه بأنّه ربّاه وليداً منذ
أن ولد إلى أن كبر ... أجابه موسى بأنّه هل تمن علي بهذا وقد عبدت بني إسرائيل ؟
وعلى ذلك فقتل واحد من أنصار الطغمة
الأثيمة التي ذبحت مئات بل الآف الأطفال من بني إسرائيل واستحيوا نساءهم ، لا يعد
في محكمة العقل والوجدان عملاً قبيحاً غير صحيح ، أضف إلى ذلك أنّ القبطي المقتول
كان بصدد قتل الإسرائيلي لو لم يناصره موسى كما يحكي عنه قوله : (يَقْتَتِلانِ) ، ولو قتله
القبطي لم يكن لفعله أيّ رد فعل ، لأنّه كان منتمياً للنظام السائد الذي لم يزل
يستأصل بني إسرائيل ويريق دماءهم طوال سنين ، فكان قتله في نظره من قبيل قتل
الإنسان الشريف أحد عبيده لأجل تخلّفه عن أمره.
إذا وقفت على ذلك ، فلنرجع إلى توضيح
الجمل التي توهم المستدل بها