مناعة نسب يوسف ، أو
قبح الخيانة للعزيز ، ولكن الكل غير صالح لمنع يوسف عن ارتكاب العمل.
أمّا الخوف من ظهور الأمر فقد مرّ أنّه
كان في أَمن منه ، ولو كان بدا من ذلك شيء لكان في وسع العزيزة أن تأوّله تأويلاً
كما فعلت فيما ظهر من أمر مراودتها ، فكادت حتى أرضت نفس العزيز إرضاءً ، فلم
يؤاخذها بشيء ، وقلبت العقوبة على يوسف حتى سجن.
وأمّا مناعة النسب فلو كانت مانعة لمنعت
إخوة يوسف عمّا هو أعظم من الزنا وأشد اثماً ، فانّهم كانوا أبناء إبراهيم وإسحاق
ويعقوب أمثال يوسف ، فلم تمنعهم شرافة النسب من أن يهمّوا بقتله ويلقوه في غيابت
الجب ، ويبيعوه من السيّارة بيع العبيد ، ويثكلوا فيه أباهم يعقوب النبي ، فبكى
حتى ابيضّت عيناه.
وأمّا قبح الخيانة وحرمتها فهو من
القوانين الاجتماعية ، والقوانين الاجتماعية إنّما تؤثر أثرها بما تستتبعه من
التبعة على تقدير المخالفة وذلك إنّما يتم فيما إذا كان الإنسان تحت سلطة القوّة
المجرية والحكومة العادلة ، وأمّا لو أغفلت القوّة المجرية ، أو فسقت فأهملت ، أو
خفي الجرم عن نظرها ، أو خرج من سلطانها فلا تأثير حينئذ لشيء من هذه القوانين.
فلم يكن عند يوسف ما يدفع به عن نفسه
ويظهر به على هذه الأسباب القوية التي كانت لها عليه ، إلاّ أصل التوحيد وهو
الإيمان بالله.
وإن شئت قلت : المحبة الإلهية التي ملأت
وجوده وشغلت قلبه ، فلم تترك لغيرها محلاً ولا موضع أصبع [١].