لا تقدر على الحركة
والفعل ، فمع تلك القرينة والتسليم الواضح بينه وبينهم ، بل وبين جميع العقلاء ،
إذا أجاب إبراهيم بهذا الكلام يعلم منه أنّه لم يتكلم به لغاية الجد ، بل لغاية
أُخرى حتى ينتبه القوم إلى خطئهم في العقيدة.
ويزيد توضيحاً ما ورد في القصص : إنّ
إبراهيم بعد أنْ حطّم الأصنام الصغيرة جعل الفأس على عنق كبيرها ، حتى تكون نسبة
التحطيم إلى الكبير مقرونة بالقرينة وهي : أنّ آلة الجرم تشهد على كون الكبير هو
المجرم دون إبراهيم ، ومن المعلوم أنّ هذا العمل والشهادة المزعومة ، أشبه شيء في
مقام العمل باستهزائه بالقوم وسخريته مما يعتقدون.
فعلى تلك القرائن قد تكلّم إبراهيم بهذه
الكلمة لا عن غاية الجد ، بل لغاية أُخرى كما يبيّنها القرآن ، فإذا انتفى الجد
بشهادة القرائن القاطعة ينتفي الكذب.
وأمّا الغاية من هذا الكلام فهو أنّه
طرح كلامه بصورة الجد وإن لم يكن عن جد حقيقي ، وطلب منهم أن يسألوا الأصنام
بأنفسهم ، وأنّه مَن فعل هذا بهم ؟ لغاية أخذ الاعتراف منهم بما أقرّوا به في
الآية ، أعني قولهم : (لَقَدْ
عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلاءِ يَنطِقُونَ) حتى يتسنّى
للخليل عليهالسلام كبتهم
وتوبيخهم ـ بأنّه إذا كان هؤلاء على ما يصفون ـ بقوله عليهالسلام : (أَفَتَعْبُدُونَ
مِن دُونِ اللهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ
* أُفٍّ
لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ)[١] ، وفي موضع آخر يقول : (أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ
* وَاللهُ
خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)[٢] ، فتبين من ذلك أنّ قوله : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ) لم يكن
كلاماً عن جد وجزم وعزم حتى يوصف بالكذب ، بل