زوجته فقط ، ولما
رأى نوح أنّ الولد أدركه الغرق تخالج في قلبه أنّه كيف يجتمع وعده سبحانه بإنجاء
جميع الأهل مع هلاك ولده ؟ وعند ذلك اعتراه الحزن ورفع صوته بالدعاء منادياً : (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) من دون أن
يسأل منه شيئاً بل أظهر ما اختلج في قلبه من الصراع والتضاد بين الأمرين : الإيمان
بصدق وعده ، كما يفصح عنه قوله : (وَإِنَّ
وَعْدَكَ الحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الحَاكِمِينَ) وغرق ولده
وهلاكه.
وعلى هذا الفرض لم يكذب نوح عليهالسلام حتى بكلمة واحدة ، بل لما فهم من قوله (وَأَهْلَكَ) نجاة مطلق
المنتمين إليه بالوشيجة الرحمية أو السببية ، أبرز ما فهم وقال : (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) ، فلا يعد
الإنسان كاذباً عند نفسه إذا أبرز ما اعتقده وأفرغه في قالب القول وان كان المضمون
خلاف الواقع في حد نفسه ، وحينئذ أجابه سبحانه بأنّ الموعود بإنجائهم هم الصالحون
من أهلك لا مطلق المنتمين إليك بالوشائج الرحمية أو السببية.
وبعبارة أُخرى : انّ ولدك وإن كان من
أهلك حسب الوشيجة الرحمية ، لكنّه ليس من الأهل الذين وعدت بنجاتهم وخلاصهم.
وبعبارة ثالثة : (إِنَّ ابْنَكَ) داخل في
المستثنى ، أعني قوله : (إِلاَّ مَن
سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ) كما أنّ
زوجتك داخلة فيه أيضاً.
وهذا الجواب على صحة الفرض تام لا غبار
عليه ، لكن أصل الفرض وهو كون ابن نوح متظاهراً بالكفر وكان الأب واقفاً عليه غير
تام لما فيه :
أوّلاً
: انّ من البعيد عن ساحة نوح عليهالسلام أن يطلب من الله سبحانه أن لا يذر على
الأرض من الكافرين ديّاراً ، كما يعرب عنه قوله سبحانه حاكياً عنه عليهالسلام : (وَقَالَ
نُوحٌ رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً
* إِنَّكَ
إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً) ، ويتبادر [١] إلى ذهنه من قوله سبحانه :