ويمكن الاجابة عن الاستدلال بهذه الآيات
أوّلاً : بأنّ كون الكتاب نوراً وهدى للناس ، لا يفيد تعميم شريعة موسى وأحكامه
لغير بني اسرائيل ، إذ من الممكن أن يستفيد الغير مما ورد في ذلك الكتاب من عظات
وحكم وإن لم يكن تابعاً لأحكام ذلك الكتاب. فنحن المسلمون ، نستفيد في هذا اليوم
مما في التوراة والانجيل من المواعظ ولسنا تابعين لشريعة من انزلا إليه.
فبذلك يظهر الجواب عن الاستدلال بقوله
سبحانه : (وَلَقَدْ آتَيْنَا
مُوسَىٰ وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ) ( الأنبياء
ـ ٤٨ ).
وثانياً : انّ الظاهر من بعض الآيات
اختصاص كتاب موسى بقومه مثل قوله تعالى : (وَآتَيْنَا
مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ) ( الإسراء ـ
٢ ) وقوله سبحانه : (وَلَقَدْ
آتَيْنَا مُوسَى الهُدَىٰ وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ) ( غافر ـ ٥٣
).
فلو كان كتابه حجة على الناس كلّهم
لورثه الناس كلّهم دون بني اسرائيل وحدهم [١].
وإن أردت أن تتوسع في البحث فلاحظ
الآيات التالية فانّها تخص بني إسرائيل
[١] نعم يمكن أن
يقال : انّ تخصيص بني اسرائيل بأنّهم الوارثون لكتاب موسى لأجل أنّ بني اسرائيل
وأنبياءهم ، هم القائمون بأمر الكتاب وحفظه دون سائر الناس ، فلأجل ذلك خصهم
بالميراث ، وإن كانت الشريعة عامة.
وهذا نظير قوله تعالى : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا
الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) ( فاطر ـ ٣٢ )
فورّث الكتاب العباد المصطفون وإن كانت الشريعة عامة ، على أنّه يحتمل أن يكون
المراد بالكتاب ، هو الوعد الذي وعده الله لإبراهيم وموسى بأن يدخلهم الأرض التي
كتبها الله لهم.