ولا يجد الباحث ـ مهما اُوتي من مقدرة
علمية كبيرة ـ في ما جاء به نبي الإسلام صلىاللهعليهوآلهوسلم
، على سعة نطاقه ، وبحثه في شتى الجهات ، ومختلف النقاط أىّ طابع إقليمي ، أو صبغة
طائفية ، وتلك آية واضحة على أنّ دعوته دعوة عالمية لا تتحيز إلى فئة معيّنة ، ولا
تنجرف إلى طائفة خاصة.
هذا هو الإسلام وتعاليمه القيّمة
ومعارفه الاعتقادية ، وسننه التشريعية فأمعن فيها النظرة مرة بعد اُخرى ، فهل تجد
فيه ما يشير إلى كونه ديناً إقليماً خاص ، أو شريعة لفئة محدودة ؟ فإنّ للدين
الإقليمي علائم وأمارات ، أهمها أنّه يعتمد في معارفه وتشريعاته على خصوصيات بيئية
، أو ظروف محلية ، بحيث لو انقلبت تلكم الخصوصيات إلى غيرها ، أصبحت السنن والطقوس
المعتمد عليها كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء ، وصار النافع منها ضاراً ، فهل تجد
أيّها الباحث في ما جاء به الإسلام شيئاً من تلكم الامارات.
هلم معي نحاسب بعض ما جاء به الإسلام في
مجالات العلم والعمل ، ونضعها على طاولة الحساب ، فنكون على بصيرة كاملة في هذا
الموضوع : فقبل كل شيء ، لاحظ كتاب الله العزيز ، ومعجزة الإسلام الخالدة ، فقد
انبثق نوره منذ أربعة عشر قرناً ، حين كانت البشرية تسبح في ظلام دامس مخيف ، ضاعت
فيه كرامة الانسان وحريته ، وساد العداء والتنازع بين الناس ، وكان نظام الغاب
وحده ، مفزعاً للناس وملجأ إليهم.
وفي تلك الظروف جاء القرآن نوراً يستضيء
به العالم ، ويعيد للانسان كرامته ومكانته وحريته ، مؤسّساً لمجتمع قائم على أساس
وطيد من العدالة الاجتماعية ، سواء في ذلك انسان الجزيرة العربية أم غيرها.
هلم معي نستعرض تعاليمه ، فهل نرى آية
من آياته الباهرة ، أو قانوناً من قوانينه ، أو حكمة من حكمه ومعارفه ، أو سننه من
سنة ، أو فريضة من فرائضه تنفع في
[١] سوف نرجع إليه
في ختام البحث ، ونجعله دليلاً مستقلاً على عمومية رسالته.