كان أصله محسوساً من
قبل ، ثم غاب كالمسافر أو بالعكس كالمولود الذي كان في غيابة الرحم ، محجوباً عن
الحواس ثمّ ولد بعد ، فصار محسوساً بين الناس.
وربّ اُمم دوّخت الأقيال والأجيال في
سالف الدهر ، كجرهم وأياد ، ثمّ بادت ، وهم اليوم غيب ، وأنباؤهم الخطيرة تعد في
زوايا التاريخ من الغيوب ، وربّ جراثيم الأمراض كانت محجوبة ، أو لا تزال محجوبة
عن الحواس ، ثمّ في مستقبل الأجيال تقوى الآلات على استكشافها ، فتصير محسوسة
مشهودة ، وربّ طعام يقصر عن شمّه حسّ الانسان والحيوان ، إلاّ النمل الذي فاق حسّه
على غيره ، فيهتدي إليه ولا يغيب عنها ، أو كحبة خردل لا تغيب عن الغراب ، لحدة
بصره ، بينما هي غائبة عن غيره ، أو صوت متحرك في دياجير الظلام لا يغيب عن احساس
الفرس ، لقوّة سمعه بينما يغيب عن غيره ... [١].
وهذا البيان الضافي يوقفنا على أنّ
الغيب على قسمين : مطلق واضافي ، فالمطلق منه ما لا يقع في اُفق الحس أبداً ويمتنع
إدراكه بالآلات والأدوات المادية كذاته سبحانه وصفاته وغيرهما ممّا عدّدناه ،
والاضافي ما يتفاوت بحسب الظروف والاشخاص ، فربما يكون غيباً في ظرف ، فجرثومة
السل كانت غيباً في غابر الزمان ، قبل أن يقف عليها مكتشفوها ، ويروها تحت المجهر
إلى أن عادت أمراً محسوساً في هذه الظروف التي كثرت فيها الأدوات العلمية ، وسهل
الوقوف على صغار الموجودات التي لا يدركها الطرف مجرداً عن الآلات الحديثة ...
وإلى ذلك يشير العلامة الطباطبائي بقوله
: الأشياء المجهولة ، أي غير الواقعة تحت الحواس ، غيب ، ومن الحري أن نسمّيها
عندئذ غيباً نسبياً ، لأنّ هذا الوصف الطارئ عليها ، وصف نسبي يختلف بالنسب
والاضافات ، كما أنّ ما في الدار مثلاً ، من الشهادة بالنسبة إلى من فيها ، ومن
قبيل الغيب بالنسبة إلى من هو في خارجها ، وكذا الأضواء والأكوان المحسوسة بحاسّة البصر
، من الشهادة بالنسبة إلى البصر ، ومن الغيب