وزان واحد ، بل ربّ
واجب يسوغ في طريق احرازه ، اقتراف بعض المحارم ، لاشتماله على مصلحة كبيرة لا
يجوز تركها أصلاً ، وربّ حرام ذي مفسدة كبيرة ، لا يجوز اقترافه ، وإن استلزم ترك
الواجب أو الواجبات.
ولأجل ذلك قد عقد الفقهاء باباً خاصاً ،
لتزاحم الأحكام وتصادمها في بعض الموارد ، فيقدمون « الأهم على المهم » والأكثر
مصلحة على الأقل منها ، والأعظم مفسدة على الأحقر منها ، وهكذا ... ويتوصّلون في
تمييز الأهم عن المهم ، بالطرق والامارات التي تورث الاطمئنان ، وباب التزاحم في
علم الاُصول غير التعارض فيه ، ولكلّ أحكام.
وقد أعان فتح هذا الباب على حل كثير من
المشاكل الاجتماعية التي ربما يتوهم الجاهل أنّها تعرقل خطى المسلمين في معترك
الحياة ، وأنّها من المعضلات التي لا تنحل أبداً ، ولنأت على ذلك بمثال ، وهو :
أنّه قد أصبح تشريح بدن الانسان في
المختبرات من الضروريات الحيوية التي يتوقف عليه نظام الطب الحديث ، فلا يتسنّى
تعلم الطب إلاّ بالتشريح والإطلاع على خفايا الأمراض والأدوية.
غير أنّ هذه المصلحة تصادمها ، مصلحة
احترام المؤمن حيّه وميّته ، إلى حد أوجب الشارع ، الاسراع في تغسيله وتكفينه
وتجهيزه للدفن ، ولا يجوز نبش قبره إذا دفن ، ولا يجوز التمثيل به وتقطيع أعضائه ،
بل هو من المحرمات الكبيرة التي لم يجوز الشارع حتى بالنسبة إلى الكلب العقور ،
غير أنّ عناية الشارع بالصحة العامة وتقدم العلوم جعلته يسوغ اقتراف هذا العمل
لتلك الغاية ، مقدماً بدن الكافر على المسلم ، والمسلم غير المعروف على المعروف
منه ، وهكذا ...
الثالث : التشريع الإسلامي ذو مادة حيوية
إنّ التشريع الإسلامي في مختلف الأبواب
، مشتمل على اُصول وقواعد عامة ، تفي باستنباط آلاف من الفروع التي يحتاج إليها
المجتمع البشري ، على امتداد القرون