يا رسول الله ! عزفت
نفسي عن الدنيا ، فأسهرت ليلي وأظمأت هواجري كأنّي أنظر إلى عرش ربّ ـ ي وقد وضع
للحساب ، وكأنيّ أنظر إلى أهل الجنّة يتزاورون في الجنّة وكأنيّ أسمع عواء أهل
النار في النار ، فقال له رسول الله : عبد نوّر الله قلبه ، أبصرت فاثبت ، فقال :
يا رسول الله اُدع الله لي أن يرزقني الشهادة معك ، فقال : اللّهمّ أرزق حارثة
الشهادة ، فلم يلبث إلاّ أياماً حتى بعث رسول الله سرية فبعثه فيها فقاتل ، فقتل
تسعة أو ثمانية ثم قتل [١].
أخرج الكليني عن إسحاق بن عمار ، قال
سمعت أبا عبد الله عليهالسلام
يقول : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم
صلّى بالناس الصبح ، فنظر إلى شاب في المسجد فقال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كيف أصبحت يا فلان ؟ قال : أصبحت
يارسول الله موقناً ، فعجب رسول الله من قوله وقال : إنّ لكل يقين حقيقة ، فما
حقيقة يقينك ؟ فقال : إنّ يقيني يا رسول الله هو الذي أحزنني وأسهر ليلي وأظمأ
هواجري ، فعزفت نفسي عن الدنيا وما فيها حتى كأنّي أنظر إلى عرش ربّي وقد نصب
للحساب ، وحشر الخلائق لذلك وأنا فيهم ، وكأنيّ أنظر إلى أهل الجنّة يتنعّمون في
الجنّة ويتعارفون ، وعلى الأرائك متّكئون ، وكأنّي أنظر إلى أهل النار وهم فيها
معذّبون مصطرخون ، وكأنّي الآن أسمع زفير النار ، يدور في مسامعي فقال رسول الله لأصحابه
: هذا عبد نوّر الله قلبه بالإيمان [٢].
هذا هو الإيمان المحض والعبودية الخالصة
بل أنّه لشأن لا يتوصل إليه بالحس والعلم.
فكم في الاُمّة الإسلامية من ذوي الرتب
العلوية ، رجال وأبدال شملتهم العناية الالهية ، فجردوا أنفسهم عن أبدانهم ، حينما
أرادوا ، فعاينوا الحقائق واطلعوا على الأسرار.
وقد تضافرت الأحاديث على أنّ في الاُمّة
الإسلامية مثل الاُمم السابقة رجالاً مخلصين محدّثين ( بالفتح ) يطلعون على المغيبات
باحدى الطرق التي ألمحت إليها