فجيء بالشرط بصيغة المضارع ، للدلالة
على ثبوت الاتيان بتكرره ، بحسب الحكمة ، وأنّ الجزاء لازم لهذا الشرط ، دون نظر
إلى الزمان الخاص ، والواقعة الخاصة ، وليس نظره إلى خصوص الزمان الماضي ولا خصوص
المستقبل. لكن القرآن الكريم بين أنّ هذا الشرط لا يقع في المستقبل وذلك بقوله
سبحانه : (وَلَٰكِن
رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) ، فكان هذا
البيان من المحكمات التي هي اُم الكتاب.
قال العلامة الشهرستاني : « إما » لفظة
مركبة من « إن » الشرطية ، و « ما » الكافة عن العمل ، وعليه كفت المضارع عن الجزم
، وقرنته بنون التأكيد الثقيلة وجردته عن الدلالة على زمان خاص بالحال والاستقبال
، كما أنّ الصيغ التالية لها (فَمَنِ
اتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ) ، (وَالَّذِينَ
كَذَّبُوا)
تجردت أجمع عن الدلالة الخاصة بالماضي والمفهوم من المجموع قضية طبيعية عامة السير
في الاُمم ، وهي توجه رسل الهداية إلى أقوام البشر لغاية الوعظ والانذار بآيات
الله وبيّناته.
وإن شئت قلت : انّ الغاية في الآية عبرة
الانسان بتاريخ الانسان ، حتى يترك اغتراره بالحال الحاضر ، وهذا لا يكون إلاّ من
درس تاريخ السلف ، ولا معنى للعبر بالمستقبل. نعم المعتبرون هم الجيل الحاضر
والمستقبل ، ولكن المعتبر به حال السلف والحوادث النافعة ، وأمّا مادة الوعظ ، أي
المعتبر به ، هي القصص الماضية ( دون سواها ) ورسلها ورسالاتها وعواقب أمرها
ومعرفة مصير المتقين ومصير المكذّبين.
فبأي لفظة من الآية يستدل هؤلاء على صحة
الرسالة من بعد محمد المصطفى صلىاللهعليهوآلهوسلم
! أبلفظ « يأتينّكم » وقد تبيّن أنّها تجردت عن اختصاصها بالحال والاستقبال ، كما
تجردت لفظة أتقى وأصلح ، عن الاختصاص بالماضي.
أم يستدلون بلفظة « الرسل » وقد تبيّن
أنّهم وقصصهم وآياتهم ذكرت في الآية ، لغاية الموعظة والعبرة ، ومثله لابد وأن
يكون من الجيل الماضي إذ لا معنى للعبرة من المستقبل.
أم بلفظة « يا بني آدم » وانّه خطاب
للجيل الحاضر أو المستقبل ، نعم انّ