ودلالة قوله سبحانه : (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً
لاَّ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ) على إيصاد
باب الوحي وانقطاعه إلى يوم القيامة وتمامية الشرائع النازلة من الله سبحانه طوال
قرون إلى سفرائه ، واضحة بعد الوقوف على معنى الكلمة في القرآن.
إن « الكلمة » في القرآن قد استعملت في
معان أو في مصاديق مختلفة بمعنى واحد جامع واسع ، حتى استعملت في العين الخارجي.
قال سبحانه : (إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ
اسْمُهُ المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) ( آل عمران ـ
٤٥ ) كما استعملت في القضاء والوعد القطعي قال سبحانه : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ
جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) ( هود ـ ١١٩
) إلى غير ذلك.
لكن المراد منها في الآية هو الدعوة
الإسلامية أو القرآن الكريم ، وما فيه من شرائع وأحكام ، والشاهد عليه الآية
المتقدمة حيث قال سبحانه : (وَهُوَ
الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ
الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالحَقِّ) فالمراد من
قوله : (أَنزَلَ إِلَيْكُمُ
الْكِتَابَ) هو القرآن النازل على العالمين ، ثم
يقول : بأنّ الذين آتيناهم الكتاب من قبل كاليهود والنصارى إذا تخلصوا عن الهوى ،
يعلمون أنّ القرآن وحي إلهي كالتوراة والأنجيل وأنّه منزل من الله سبحانه بالحق ،
فلا يصح لأي منصف أن يتردد في كونه نازلاً منه إلى هداية الناس.
ثم يقول في الآية التالية : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) بظهور
الدعوى المحمدية ، ونزول الكتاب المهيمن على جميع الكتب وصارت مستقرة في محلها بعد
ما كانت تسير دهراً