وهذه الآيات ، تشرح بصراحة ما عليه
جماعة كثيرة من أصحاب النبيّ ولا تختصّ بالمنافقين ، لقوله سبحانه : (إِذْ جَاءُوكُم
... مِن
فَوْقِكُمْ ... وَمِنْ أَسْفَلَ
مِنكُمْ)
وقوله سبحانه : (وَالَّذِينَ
فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ) عاطفاً لها على المنافقين فقال (وَالَّذِينَ) ولم يقل (
الذين ).
نعم كانت في صحابة النبيّ ثلة جليلة
بالغة منتهى الإيمان والعمل ، وهم الذين عناهم الله تعالى بقوله : (وَلَمَّا رَأَى المُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ
قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ
وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا
* مِنَ
المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن
قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً). ( الأحزاب
: ٢٢ ـ ٢٣ ).
إجابةٌ عن سؤال
ولعل القائل يقول : بأنّهم كيف لم
يبلغوا الدرجة الكاملة في أمر القيادة مع أنّهم ، حطّموا امبراطوريتين كبيرتين ، وبنوا
فوق أنقاضها صرح الإسلام ، أضف إلى ذلك ، أنّه سبحانه وصفهم في سورة الفتح بقوله :
(فَاسْتَوَىٰ
عَلَىٰ سُوقِهِ) ( الفتح : ٢٩ ).
فهو يدل على كفاءتهم في أمر القيادة
والاعتماد على أنفسهم ، حيث شبّههم بالزرع المستغلظ القائم على سوقه.
ولكن الإجابة على هذا السؤال سهلة بعد
الوقوف على ما نذكره :
١. إنّ التسلّط على الامبراطوريّتين لم
يكن نتيجة قوة القيادة وصحتها ، بل كان لقوّة تعاليم الإسلام ، أكبر سهم في نفوذهم
وسيطرتهم عليهما ، حيث كانت التعاليم بمجرّدها تسحر القلوب ، وتجذب العقول وتفتح
الطريق خاصّة بين تلك الشعوب التي طالما عاشت الضغط والحرمان ، وعانت من الظلم
والاضطهاد المرير.