فقد روى البخاري عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قوله : « ما بعث الله من نبيّ ولا
استخلف من خليفة إلاّ كانت له بطانتان ، بطانة تأمره بالمعروف وتحضّه عليه ، وبطانة
تأمره بالشّرّ وتحضّه عليه ، فالمعصوم من عصمه الله » [١].
وروى البخاري أيضاً في صحيحه [٢] في باب ( وكنت عليهم شهيداً ما دمت
فيهم ) من كتب التفاسير بسنده عن ابن عباس ، قال :
خطب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : « ألا وإنّه يجاء برجال من امتي
فيؤخذ بهم ذات الشّمال فأقول يا ربّ : أصحابي ... فيقول : إنّك لا تدري ما أحدثوا
بعدك ، فأقول كما قال العبد الصّالح (وَكُنتُ
عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ
الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) فيقال : إنّ هؤلاء لم يزالوا مرتدّين
على أعقابهم ما فارقتهم » [٣].
فهل كان يجوز لصاحب الدعوة ـ والحال هذه
ـ أنّ يتجاهل أمر القيادة من بعده ، ولا ينصب أحداً باسمه وشخصه ، ويدع تلك
الاُمّة الحديثة العهد بالإسلام ، الناشئة في الدين ، التي لم تترسّخ العقيدة
الإسلاميّة في مشاعر الأكثريّة من أبنائها وأفرادها ، ولم تكتسب من التربية
الفكريّة ، والإداريّة ما يجعلها قادرةً على إدارة نفسها بنفسها بحزم ، ومتمكّنةً
من تدبير شؤونها بدراية وحنكة ؟!
أم لابدّ من تعيين قائد ونصب زعيم مدير
لها بعد النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم
يكون له من المؤهلات
[١] صحيح البخاري ٤
: باب ( بطانة الإمام وأهل مشورته ) : ١٥٠.
[٣] وقد ورد هذا
الحديث بنصّه وطوله ، أو باختلاف يسير في : كتاب التفسير في باب (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ
خَلْقٍ نُّعِيدُهُ) وفي باب ( كيف الحشر ) من صحيح البخاري
نفسه ، وفي صحيح مسلم في كتاب الجنّة ونعيمها ، وفي صحيح الترمذيّ بطريقتين باب (
ما جاء في شأن الحشر ) وفي أبواب ( تفسير القرآن ) ، وفي صحيح النسائيّ ( ج ١ ) في
ذكر أوّل من يكسى ، وفي مستدرك الحاكم في كتاب التفسير في ( سورة الزخرف ) ، وفي
مسند أحمد بن حنبل ( ج١ : ص٢٣٥ وص ٢٥٣ ) وفي مسند الطيالسيّ ( ج ١ ) في أحاديث
سعيد بن جبير عن ابن عبّاس.
وفي الدرّ المنثور للسيوطيّ
في تفسير قوله تعالى : (وَإِذْ
قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ) وقال أخرجه ابن
أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذيّ.