يمكن أن يقال : انّ الله سبحانه أدّب
رسوله فأحسن تأديبه وعلّمه مصالح الأحكام ومفاسدها وأوقفه على ملاكاتها ومناطاتها
، ولما كانت الأحكام تابعة لمصالح ومفاسد كامنة في متعلّقاتها ، وكان النبي بتعليم
منه سبحانه واقفاً على المصالح والمفاسد على اختلاف درجاتها ومراتبها كان له أن
ينص على أحكامه سبحانه من طريق الوقوف على عللها وملاكاتها ، ولا يكون الاهتداء
إلى أحكامه سبحانه من طريق التعرّف على عللها بأقصر من الطرق الأُخر التي يقف بها
النبي على حلاله وحرامه ، وإلى هذا يشير الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام بقوله :
« عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية لا عقل
سماع ورواية ، فإنّ رواة العلم كثير ورعاته قليل » [١].
غير أنّ اهتداءه صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الأحكام وتنصيصه بها من هذا الطريق
قليل جداً لا يتجاوز عما ذكرناه ، وبذلك يعلم حال الأئمّة المعصومين عليهمالسلام في هذا المورد.
وقد يجاب عنه أنّ عمل الرسول لم يكن في
هاتيك الموارد سوى مجرّد طلب وقد نفذ الله طلبه ، لا أنّه قام بنفسه بتشريع وتقنين
، ويشير إلى ذلك قوله : « فأجاز الله عزّ وجل له ذلك ».
ولو أنّ النبي كان يمتلك زمام التشريع
وكان قد فوّض إليه أمر التقنين ـ على نحو ما تفيده كلمة التفويض [٢] ـ إذن لما احتاج إلى إذنه وإجازته
المجدّدة ، ولما كان للجملة المذكورة أي معنى.