في شأنه هذا « أصغر
» وهذا « أكبر » أو هذا « صغير » وذاك « كبير » ، فإنّ الصغر والكبر وصفان لا
يصدقان على شيء إلاّ بعد مقارنته بشيء آخر ، فالكرة الأرضية ـ مثلاً ـ إنّما يمكن
وصفها بالصغر والكبر ويقال الكرة الأرضية « صغيرة » أو « كبيرة » إذا ما قيست بكرة
الشمس والقمر فحينئذ يصح قولنا : الكرة الأرضية أصغر من الشمس وأكبر من القمر ،
فالصغر والكبر ليسا وصفين حقيقيين بالنسبة إلى الأرض بحيث يدخلان في حقيقة الأرض وإلاّ
لما أمكن وصفها بوصفين متضادين ، بل هما وصفان نسبيان وحالتان للأرض يعرضان لها
كلّما قيست إلى الكرتين « الشمس والقمر » ويمكن وصف الأرض بهما في تلك الحالة ،
وبذلك لا يكون هذان الوصفان حقيقيين.
من هذه المقارنة والبيان يمكن استنباط
نتيجة فلسفية هامة ، وهي : انّ « الصفات الحقيقية » على غرار موصوفاتها التي تتمتع
بواقعية لا تنكر على صعيد الخارج ، إنّما تحتاج إلى جاعل وخالق.
وأمّا الصفات النسبية حيث إنّ ـ ها ليست
بذات واقعية خارجية ، بل هي وليدة الذهن ، ونتيجة أفكارنا لدى المقايسة لا تكون
محتاجة إلى الخالق والموجد ، إذ لا واقعية خارجية لها حتى تكون محتاجة إلى موجد.
إنّ حياة الخلية أو وصف المتر بكونه
مائة سنتيمتر من الأُمور التي تتمتع بالواقعية الخارجية ، فما لم يكن وراؤهما
واقعية أُخرى ( ونعني الخالق ) ، لما تحقّقا على صعيد الخارج ، ولما كان لهما حظ
من الوجود خارج عالم الذهن حسب قانون العلية.
ولكن الصغر والكبر في المقابل بالنسبة
إلى الأرض ليسا لهما واقعية خارج الذهن لكي يحتاجان إلى الخالق والموجد.