أعطى لأحد سيفاً مع
علمه بأنّه يقتل به نفساً ، فالقتل إذا صدر منه لا يكون مستنداً إلى المعطي بوجه ،
فإنّه حين صدوره يكون أجنبياً عنه بالكلية غاية الأمر أنّه هيّأ بإعطائه السيف
مقدمة إعدادية من مقدمات القتل ، وهذا واقع التفويض.
كما أنّه لو شد آلة جارحة بيد الإنسان
المرتعش بغير اختيار ، فأصابت الآلة من جهة الارتعاش نفساً فجرحته ، فالجرح لا
يكون صادراً من ذاك الإنسان المرتعش ، بإرادته واختياره ، بل هو مقهور عليه في
صدوره منه ، وهذا واقع الجبر وحقيقته.
وإذا فرضنا أنّ يد الإنسان مشلولة لا
يتمكّن من تحريكها إلاّ مع إيصال الحرارة إليها بالقوة الكهربائية ، فأوصل رجل
القوة إليها بواسطة سلك يكون أحد طرفيه بيد المولى ، فاختار ذلك الإنسان قتل نفس
والموصل يعلم بذلك ، فالفعل بما انّه صادر من الإنسان المشلول باختياره يعد فعلاً
له ، وبما أنّ السلك بيد الموصل وهو الذي يعطي القوة للعبد آناً فآناً فالفعل
مستند إليه ، وكل من الإسنادين حقيقي من دون أن يكون هناك تكلّف أو عناية ، وهذا
هو واقع الأمر بين الأمرين ، فالأفعال الصادرة من المخلوقين بما أنَّها تصدر منهم
بالإرادة والاختيار ، فهم مختارون في أفعالهم ; وبما أنّ فيض الوجود والقدرة
والشعور من مبادئ الفعل يجري عليهم من قبل الله تعالى آناً فآناً ، فأفعالهم
منتسبة إلى خالقهم [١].
إنّ هناك طائفة من الآيات القرآنية
تبيّن هذه الحقيقة بنحو آخر وهو أنّه ليس الله تعالى خلق الأشياء فقط ، بل هو الذي
قدر تأثير كل شيء وخلق له