نام کتاب : مجاز القرآن خصائصه الفنيّة وبلاغته العربيّة نویسنده : الصّغير، محمد حسين علي جلد : 1 صفحه : 123
نلحظ أن البطش واقع لا محالة ، ومن قبل
الله سبحانه وتعالى ، فهو جار على حقيقيته ، وهذا هو المثبت ، فالبطش إنما يقع
حقيقة في اليد ذات الطول والقوة والتحطيم ، فإذا أريد به المجازية نقلناه الى
المعنى الذي يصدر عادة من الجوارح ، وهو هنا ـ والله العالم ـ ليس كذلك إذ لا يصدر
عن يد ، ولا يخرج من جارحة ، فالله منزه عن الجوارح ، بدلالة عقلية وهنا يأتي
الإثبات محل الإشكال ، فهو بطش لا كالبطش المعتاد ، وانتقام لا كالانتقام المتعارف
، وهو واقع دون شك ، ولكن بغير الأدوات المعتادة ، وإذا كان واقعا فالإثبات فيه
حاصل ، بل وأكثر من ذلك فقد أسند للبطشة الكبرى ليشمل جميع أصناف البطش ، ويستوعب
أشد نماذجه وأقساها ، فهو كبير من كبير ، وليس مما اعتاده البشر ، ولا سمع به
الناس ، ويكفي في الدلالة على غير ذلك نسبته الى ذاته القدسية ( إنا منتقمون )
لتأكيد صرامة هذا البطش ، وقوة هذه الإرادة ، دون استعمال الوسائل المعتادة في
البطش البشري ، بل فوق تصور الإنسان ، بل وليس في مقدوره الإحاطة بكنهه المتطاول ،
وقد جاء في إثباته من الوعيد الصارم ، والترهيب القاطع ما هو جلي عند أهل اللسان.
إن هذه الملاحظة لا يمكن أن تنسب الى
اللغة في دلالتها ، وإنما يرجع فيها الى العقل في إشارته وتوجيهاته في الحمل على
الإرادة المجازية في النظر العقلي.
ج ـ وقد تنقلب الحال فيقع المجاز في
المثبت ، وتكون الحقيقة في الإثبات ، فمثال ما دخل المجاز في مثبته دون إثباته
قوله تعالى : ( أوَ من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي
به في الناس ... )[١].
ويعقب عبد القاهر على ذلك ، ويعده من
باب المجاز اللغوي بناء على قاعدته السابقة : إذا وقع في الإثبات فالمجاز عقلي ، وإذا
وقع في المثبت فالمجاز لغوي ، يقول :
« وذلك أن المعنى والله أعلم ، على أن
جعل العلم والهدى والحكمة