وقال ابن منظور ( ت : ٧١١ هـ ) الغاشية
القيامة ، لأنها تغشى الخلق بأفزاعها ، وقيل الغاشية : النار لأنها تغشى وجوه
الكفار. وقيل للقيامة غاشية : لأنها تجلل الخلق فتعمهم [١].
وبمقارنة هذه الأقوال ، وضم بعضها إلى
بعض ، يبدو أن الغاشية كني بها عن القيامة لأنها تغشى الناس بأهوالها ، وتعم الخلق
بأفزاعها ، فهي تجللهم الإحاطة من كل جانب ، وقد تكون هي النار التي تغشى وجوه
الكفار ، وهي الداهية التي تغشى الناس بشدائدها ، وتلبسهم أهوالها .. إلخ.
إذن ، ما أقرب هذا المناخ المفزع ،
والأفق الرهيب لمناخ الواقعة والقارعة والآزفة والراجفة والرادفة ، إنه منطلق واحد
، في صيغة واحدة ، صدى هائل تجتمع فيه أهوالها ، وصوت حافل تتساقط حوله مصاعبها ،
تتفرق فيه الألفاظ لتدل في كل الأحوال على هذه الحقيقة القادمة ، حقيقة يوم
القيامة برحلتها الطولية ، في الشدائد ، والنوازل ، والقوارع ، والوقائع ، لتصور
لنا عن كثب هيجانها وغليانها ، وشمولها وإحاطتها :
(بل يريد
الإنسان ليفجر أمامه * يسئل أيان يوم القيامة
* فإذا برق البصر *
وخسف القمر
* وجمع الشمس والقمر *
يقول
الإنسان يومئذ أين المفر * كلا لا وزر
* إلى ربك
يومئذ المستقر )[٢].
دلالة الصدى الحالم :
تنطلق في القرآن أصداء حالمة ، في ألفاظ
ملؤها الحنان ، تؤدي معناها من خلال أصواتها ، وتوحي بمؤداها مجردة عن التصنيع
والبديع ، فهي ناطقة بمضمونها هادرة بإرادتها ، دون إضافة وأضاءة ، وما أكثر هذا
المنحنى في القرآن ، وما أروع تواليه في آياته الكريمة ، ولنأخذ عينة على هذا فنقف
عند الرحمة من مادة « رحم » في القرآن الكريم بجزء من إرادتها ، ولمح من هديها.
قال تعالى : (أؤلائك عليهم صلوات من ربهم ورحمة )[٣].