نام کتاب : بحوث في الملل والنّحل نویسنده : السبحاني، الشيخ جعفر جلد : 2 صفحه : 30
العرض لا يبقى
زمانين ، إلى آخر ما هنالك ، ولم يقتصر في الدعوة لمذهب الأشعري على ما وصل إليه
من نتائج ، بل ذكر أنّه لا يجوز الأخذ بغير ما أشار إليه من مقدمات لإثبات تلك
النتائج ؛ فكان ذلك مغالاة وشططاً في التأييد والنصرة ، فإنّ المقدمات العقلية لم
تذكر في كتاب أو سنّة ، وميادين العقل متسعة ، وأبوابه مفتحة ، وطرائقه مسلوكة ،
وعسى أن يصل الناس إلى دلائل وبينّات من قضايا العقول ونتائج الإفهام لم يصل إليها
الأشعري ، وليس من شر في الأخذ بها ما دامت لم تخالف ما وصل إليه من نتائج ، وما
اهتدى إليه من ثمرات فكرية. [١]
وما أُطري به الشيخ الأشعري ، على طرف
النقيض ممّا جاء به نفسه في كتابه « الإبانة » ، فإنّه أيّد فيه مقالة الحشوية
بأحاديث مدسوسة من جانب الأحبار والرهبان.
والحقّ أنّ الشيخ الأشعري خدم الحشوية
خدمة جليلة ، فصار سبباً لديمومية أمد أنفاسها ، في الوقت الذي كانت قد شارفت فيه
على الزوال والفناء ؛ فالناظر في كتاب « الإبانة » يقف على أنّه بصدد إثبات عقائد
الحشوية بالنصوص والروايات ، مع الإصرار على عدم الحيادة عنها قيد أنملة.
والله سبحانه هو الواقف على سرائره ،
وإنّه لماذا تاب عن الاعتزال وانضوى تحت لواء عقائد الحشوية ، وما يذكرون له من
المبررات والأعذار لا محصل وراءها.
وأمّا كتابه « اللمع » وهو وإن كان لم
ينسجه على غرار كتاب الإبانة ، بل أفرغه في قالب من البرهنة والاستدلال ، ولكنّه
استعمل البرهان على إحياء عقائد أهل الحديث والحشوية ، ونسف الاتجاه العقلي ؛ غفر
الله له ولنا.
مع ذلك ، لم يقبل منه أهل الحديث ما
أراد من التعديل ، كالحسن بن علي بن خلف البربهاري ، الذي كان أكبر أصحاب أبي بكر
المروزي ، وخليفته في القول بأنّ المقام المحمود هو أن يُقعِد الله رسوله معه على
العرش.