نام کتاب : بحوث في الملل والنّحل نویسنده : السبحاني، الشيخ جعفر جلد : 2 صفحه : 26
فالمهتدي ، فالمعتمد
، فالمعتضد ، فالمكتفي ، فالمقتدر ، وقد أخذ المقتدر زمام الحكم من عام ٢٩٥ هـ إلى
٣٢٠ هـ وفي تلك الفترة أظهر أبو الحسن الأشعري التوبة والإنابة عن الاعتزال ،
والانخراط في سلك أهل الحديث. وقد ضيق أصحاب السلطة ـ في عصر المتوكل إلى عهد
المقتدر ـ الأمر على منهج التعقّل ، فالضغط والضيق كانا يتزايدان ولا يتناقصان
أبداً ، وفي تلك الفترة ، لا عتب على الشيخ ولا عجب منه أن يخرج من الضغط والضيق
بإعلان الرجوع عن الاعتزال ، والانخراط في سلك أهل الحديث ، الذين كانت السلطة
تؤيدهم كما كانوا يؤيدونها.
لا أقول : إنّ فكرة الخروج عن الضغط
كانت العامل الوحيد لعدوله عن منهج الاعتزال ، بل أقول : قد أوجدت تلك الفكرة ،
أرضية صالحة للانسلاك في مسلك أهل الحديث ، والثورة على المعتزلة ، فإنّ تأثير
البيئة وحماية السلطة ممّا لا يمكن إنكاره.
٢ ـ فكرة الإصلاح في عقيدة أهل الحديث
وهناك عامل آخر يمكن أن يكون مؤثراً في
تحول الشيخ وانقلابه إلى منهج الحنابلة ، وهو فكرة القيام بإصلاح عقيدة أهل الحديث
التي كانت سائدة في أكثر البلاد. وما كان الإصلاح ممكناً إلاّ بالانحلال عن
الاعتزال كلياً.
توضيحه : إنّ الغالب على فكرة أهل
الحديث كان يوم ذاك هو القول بالتجسيم والجهة والجبر ، وغير ذلك من العقائد
الموروثة عن اليهود والنصاري ، الواردة على أوساط المسلمين عن طريق الأحبار
والرهبان ، فعندما رجع الأشعري عن عقيدة الاعتزال وأعلن انخراطه في أصحاب الحديث ،
وأنّه يعتقد بما يعتقد به أصحابه ، وفي مقدمتهم أحمد بن حنبل ، مكّنه ذلك من إصلاح
عقيدة أهل الحديث وتنزييهها عمّا لا يناسب ساحة الرب ، من التجسيم وغيره. فكان
الرجوع عن مذهب الاعتزال ، شبه واجهة لأن يتقبله أهل الحديث بعنوان أنّه من
أنصارهم وأعوانهم ، حتّى يمكنه أن يقوم بإصلاح عقائدهم.
نام کتاب : بحوث في الملل والنّحل نویسنده : السبحاني، الشيخ جعفر جلد : 2 صفحه : 26