إنّ أهل الإثبات بعامّة فروعه يرمون
المعتزلة بالتعطيل ، ويصفونهم ب ـ « المعطّلة » لتعطيلهم ذاته سبحانه عن التوصيف
بمحامد الأوصاف وجلائل النعوت ، غير أنّه يجب إلفات نظرهم إلى أنّ أهل التفويض من
أهل الإثبات من المعطلة أيضاً ، لكن بملاك آخر ، وهو تعطيل العقول عن التفكّر في
المعارف والأُصول ، كما عطّلوها عن التدبّر في الآيات والأحاديث ، فكأنّ القرآن
ألغاز نزلت إلى البشر ، وليس كتابه هداية وتعليم وإرشاد ، قال تعالى : (وَنَزَّلْنا
عَلْيْكَ الكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيء).
[٢]
فإذا كان القرآن مبيناً لكلّ شيء ، فكيف
لا يكون مبيّناً لنفسه ، وكيف يكون المطلوب نفس الاعتقاد من دون فهم معناه.
إنّ المنع عن التفكّر والتدبّر فيما نزل
من الذكر الحكيم ، وما يحكم به العقل السليم محجوج بنص القرآن لا يقبل من أي إنسان
، والاستدلال عليه بقول الشاعر أخذ بنغمة الشاعر ، وترك لنص الباري :
والعجب أنّ تعطيل العقول عن البحث
والمعرفة أخذ في هذه الأعصار صبغة علمية مادية بحتة ، بحجة أنّ مبادئها ومقدّماتها
ليست في متناول الباحثين ، لأنّها موضوعات وراء الحس والطبيعة ، ولا تعمل فيها
حواس الإنسان ، فهذا هو السيد الندوي يتمسّك بهذا الوجه ، ويعد ترك البحث فضيلة ،
والبحث عن المعارف القرآنية كفراناً للنعمة.