ثم أنَّ الأحاديث التي نشرها النبي صلىاللهعليهوآله في حياته قد يختلف الصحابة في فهم
معانيها على حسب أختلاف مراتب أفهامهم وقرائحهم (أنزَلَ مِنَ
السَّماءِ مَاءً فَساَلت أودِيَةٌ بِقَدَرِها )[١].
وَلَكن تَأخُذُ الأذهانُ مِنهُ
على قَدَرِ القرائحِ والفُهومِ
ثم إنَّ الصحابي قد يسمع من النبيّ في
واقعة حكماً ، ويسمع الآخر في مثلها خلافه ، وتكون هناك خصوصية في أحدهما اقتضت
تغاير الحُكمين ، غفل أحدهما عن الخصوصية أو التفت إليها وغفل عن نقلها مع الحديث
، فيحصل التعارض في الأحاديث ظاهراً ، ولا تنافي واقعاً.
ومن هذه الأَسباب وأضعاف أمثالها احتاج
حتى نفس الصحابة ـ الَّذين فازوا بشرف الحضور في معرفة الأَحكام إلى الاجتهاد
والنظر في الحديث ، وضم بعضه إلى بعض ، والإلتفات على القرائن الحالية ، فقد يكون
للكلام ظاهر ومراد النبي خلافه ، اعتماداً على قرينة كانت في المقام ، والحديث نُقِل
والقرينة لم تُنقَل. وكل واحد من الصحابة ممَّن كان من أهل الرأي والرواية ... ـ
إذ ليس كلهم كذلك بالضرورة ـ تارة يروي نفس الفاظ الحديث للسامع من بعيد أو قريب ،
فهو في الحال راوٍ ومحدِّث ، وتارة يذكر الحكم الذي استفاده من الرواية أو
الروايات بحسب نظره واجتهاده ، فهو في هذا الحال مفتٍ وصاحب رأي ، وأهل هذه المَلَكَة
مجتهدون ، وسائر المسلمين ـ الَّذين لم يبلغوا إلى تلك المرتبة ـ إذا أخذوا برأيه
مقلِّدون.
وكان كلُّ ذلك قد جرى في زمن صاحب
الرسالة ، وبمرأى منه