العراق ، لأنه عمل
جهده قبل ذلك على اقصاء خالد القسري عن هذه الولاية لانتهاجه سياسة الرفق واللين
مع عموم الناس في العراق ، وحيث يمثل الشِّيعة الاكثرية منهم ، فالقى في روع
الامويين ما يمكن أن تشكّله سياسة خالد المتساهلة مع الشِّيعة من عوامل لعلَّها
تؤدي إلى تقوية شوكتهم ، وتنامي قوتهم ، فعزلُ خالد ووليّ يوسف الثقفي محله ، فكان
أوّل ما افتتح به ولايته أن شدد الخناق على الشِّيعة ، وضيّق عليهم ما استطاع الى
ذلك سبيلا ، ونكل بهم ، وشرَّدهم ، وأعمل السيف في رقابهم ، فعاش الشِّيعة ظروفاً
قاسية ومرة شملت الصغير منهم والكبير ، والنساء منهم والرجال ، فلم يسلم منهم أحد
، ولا سيما وجوههم وأعيانهم ، حيث كان الامر عليهم شديداً ، والبلاء حولهم مضيِّقاً
، ومنهم أخ الامام الباقر عليهالسلام
زيد بن علي رحمه الله تعالى برحمته الواسعة ، فناله ما نالهم ، وتعرَّض لمثل ما
تعرَّضوا له من الظلم والتعدي ، بل ووشى به يوسف إلى أسياده ، فاستدُعي ( أي زيد )
إلى مقر الحكم الاموي في الشام ، وحيث كان انذاك هشام بن عبدالملك ، فتعمد توجيه
الاهانات اللاذعة والجارحة لزيد رحمه الله تعالى ، فثار بوجهه ، ورد عليه حتى
الجمه ولم يحر أمامه جواباً.
ثم خرج بعد ذلك زيد من الشام
حانقاً على هشام ، ثائراً على سياسته ، وتوجه إلى الكوفة ، ثم أراد أن يقصد
المدينة إلّا أنَّ أهل الكوفة استغاثوا به وطلبوا منه الخروج على الامويين ، واعطوه
على مناصرته العهود والمواثيق ، وبايعه على ذلك أربعون ألفاً ـ وفي خبر : أنهم
بلغوا ثمانين الفاً ـ فخرج بهم.
لقد كان زيد رحمه الله تعالى
مشهوراً بالصلاح والورع والتقوى ، وكان صاحب فضل وعلم مشهود ، وكان أيضاً من أكثر
الداعين إلى الرضا من آل محمَّد عليهم السلام ، ولم يدع الامامة لنفسه قطعاً ـ كما
يدعي البعض ذلك ـ لادراكه قبل غيره موضع الحقِّ وأهله ، ولكن وبعد النهاية المفجعة
لثورته العارمة تلك ، وبالتحديد بعد ما يُقارب من نصف قرن من الزمان وقع الخلاف من
بعض الشِّيعة ـ والذي يعد من أوضح أسبابه شدة ضيقهم وبغضهم للامويين وسياستهم
الظالمة الخرقاء ، وقساوتهم وشدة تنكليهم بالشِّيعة ـ حيث توهموا وادعوا بان
الامامة لكل فاطمي دعا إلى نفسه وهو على ظاهر العدالة ، وكان من أهل العلم
والشجاعة ، وكانت بيعته تجريد السيف للجهاد.
ومن هنا ونتيجة لرأي دعاة هذه
الفرقة فانَّ الامامة بعد مقتل زيد قد انتقلت إلى ولده يحيى الذي خرج بعد ذلك على
الامويين ايضاً ، وحاربهم حتى قتلوه بعد فترة في الجوزجان ، وهكذا.