إن هذه المواقف من شيخ مكة وعميدها كانت
تمهد للرسول المصطفى (ص) طريق دعوته وتشد من عزائم المؤمنين ، وتزيد من صبرهم على
المكاره ، كما كانت في المقابل تؤجج نار الحقد في قلوب مشركي مكة من القرشيين
وغيرهم ، فهم لا يستطيعون النيل من محمدٍ بشخصه في تلك الفترة تحامياً لسطوات بني
هاشم ، وهيبةً لهم ولعميدهم أبي طالب ، لذلك عمدوا إلى الانتقام من أتباع محمد ممن
كانوا تحت قبضتهم وسلطتهم ، فوثب كل واحدٍ منهم إلى أحلافه وعبيده من المسلمين
منزلين بهم أشد العقوبات ، وأقسى ألوان التعذيب ، طمعاً في ردهم عن دينهم الجديد ،
وانتقاماً من محمد (ص) في آنٍ واحد.
وعلى سبيل
المثال لا الحصر ، وثب لبلال بن رباح أمية بن خلف الجمحي [٢] فكان يخرجه إذا حميت الظهيرة ، فيطرحه
على ظهره في بطحاء مكة ، ثم يأمر بالصخرة العظيمة توضع على صدره ، ويقول أمية : لا
يزال بلالٌ على ذلك حتى يموت ، أو يكفر بمحمد!
وخباب بن الأرت ، كان يُعرى ويُلصقُ
ظهره بالرمضاء ، ثم الرضف ـ الحجارة المحماة بالنار ـ ويلوون رأسه ، وهو لا يجيبهم
إلى شيء مما أرادوه منه ، وقد قال يوماً لعمر بن الخطاب انظر إلى ظهري! فنظر ،
فقال : ما رأيت كاليوم! قال خباب : لقد أوقدت لي نارٌ وسحبت عليها ، فما أطفأها
إلا ودك ظهري [٤].