(و من كلام لَهُ يَجرى مجرى الخُطبة)
وَذلِكَ يَوْمٌ يَجْمَعُ اللهُ فِيهِ الاَْوَّلِينَ وَالاْخِرِينَ لِنِقَاشِ الْحِسَابِ وَجَزَاءِ الاَْعْمَالِ، خُضُوعاً، قِيَاماً، قَدْ أَلْجَمَهُمُ الْعَرَقُ، وَرَجَفَتْ بِهِمُ الاَْرْضُ، فَأَحْسَنُهُمْ حَالا مَنْ وَجَدَ لِقَدَمَيْهِ مَوْضِعاً، وَلِنَفْسِهِ مُتَّسِعاً.
و منها : فِتَنٌ كَقِطَعِ الْلَّيْلِ الْمُظْلِمِ، لاَ تَقُومُ لَهَا قَائِمَةٌ، وَلاَ تُرَدُّ لَهَا رَايَةٌ، تَأْتِيكُمْ مَزْمُومَةً مَرْحُولَةً: يَحْفِزُهَا قَائِدُهَا وَيَجْهَدُهَا رَاكِبُهَا، أَهْلُهَا قَوْمٌ شَدِيدٌ كَلَبُهُمْ، قَلِيلٌ سَلَبُهُمْ. يُجَاهِدُهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ قَوْمٌ أَذِلَّةٌ عِنْدَ الْمُتَكَبِّرِينَ، فِي الاَْرْضِ مَجْهُولُونَ، وَفِي السَّمَاءِ مَعْرُوفُونَ. فَوَيْلٌ لَكِ يَا بَصْرَةُ عِنْدَ ذلِكَ، مِنْ جَيْش مِنْ نِقَمِ اللهِ! لاَ رَهَجَ لَهُ، وَلاَ حَسَّ، وَسَيُبْتَلى أَهْلُكِ بِالْمَوْتِ الاَْحْمَرِ، وَالْجُوعِ الاَْغْبَرِ!
أَيُّهَا النَّاسُ، انْظُرُوا إِلَى الدُّنْيَا نَظَرَ الزَّاهِدِينَ فِيهَا، الصَّادِفِينَ (المعرضين) عَنْهَا; فَإِنَّهَا وَاللهِ عَمَّا قَلِيل تُزِيلُ الثَّاوِيَ السَّاكِنَ، وَتَفْجَعُ الْمُتْرَفَ الاْمِنَ; لاَ يَرْجِعُ مَا تَوَلَّى مِنْهَا فَأَدْبَرَ، وَلاَ يُدْرَى مَا هُوَ آت مِنْهَا فَيُنْتَظَرَ. سُرُورُهَا مَشُوبٌ (مشرب) بِالْحُزْنِ، وَجَلَدُ الرِّجَالِ فِيهَا إِلَى الضَّعْفِ وَالْوَهْنِ، فَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ كَثْرَةُ مَا يُعْجِبُكُمْ فِيهَا لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُكُمْ مِنْهَا. رَحِمَ اللهُ امْرَأً تَفَكَّرَ فَاعْتَبَرَ، وَاعْتَبَرَ فَأَبْصَرَ (أقصر)، فَكَأَنَّ مَا